للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النفخة الثانية في الصور ... وبالجملة، فالقول بخروج الميت من قبره، وبروزه بشخصه لقضاء أغراض الأحياء - قوله مخالف للعقل والنقل" (١).

ولا يَرِدُ على ذلك أن الأنبياء أحياء في قبورهم، وكذلك الشهداء، ولا ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنه تُرَدُّ عليه روحه حتى يَرُدَّ السلام على من سَلَّمَ عليه (٢)، فإن تلك حياة برزخية تختلف عن هذه الحياة؛ ولذا يُقْتَصَرُ في شأنها على ما ورد في النصوص، ثم إنه يلزم من ذلك: أن يُطَالَبُوا بالتكاليف، وأن يخرجوا ليجاهدوا أعداء الله، واللازم باطل، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.

إذن لم يثبت بدليل شرعي حصولُ رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة بعد موته -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل الأدلة تدل على استحالة ذلك شرعًا، وغاية ما دلت عليه النصوص إمكانية الرؤيا المنامية، ورواية الجمهور للحديث المذكور في صدر الكلام تؤكد ترجيح ألفاظها على اللفظ المشكل الذي فيه: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" (٣)، فهذه الرواية فيها تعليق الجواب على الشرط، وذلك يستلزم أن من رآه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام يراه في اليقظة، وهذا مخالف للحس والواقع، فقد رآه -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- جمعٌ كثير من سلف الأمة وخَلفها في المنام، ولم يذكر أحد منهم أنه رآه -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومعلوم أن خبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- لا يتخلف أبدًا (٤)، فدل هذا على مرجوحية اللفظ المشكِل ووجوب تأويله.


(١) "الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف" للصنعاني ص (٥١).
(٢) رواه أبو داود، وسكت عنه "سنن أبي داود" (٦/ ٢٦ - عون)، والإمام أحمد في "مسنده" (٢/ ٥٢٧)، وصحح ابن القيم إسناده، كما في "عون المعبود" (٦/ ٣٠).
(٣) انظر: تخريجه ص (١٣٤) هامش (١).
(٤) انظر: "فتح الباري" (١٢/ ٣٨٥).

<<  <   >  >>