للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه اللَّه-:

[قال: وهو -أي الإلهام- على ثلاث درجات]

الدَّرَجَةُ الأُولَى: نَبَأ يقع وحيًا قاطعًا مقرونًا بسماع؛ إذ مطلق النبأ الخبر الذي له شأن، فليس كل خبر نبأ، وهو نبأ خبر عن غيب معظم.

ويريد بالوحي والإلهام: الإعلام الذي يقطع من وَصَلَ إليه بموجبه، إما بواسطة سمع، أو هو الإعلام بلا واسطة.

قلت: أما حصوله بواسطة سمع، فليس ذلك إلهامًا، بل هو من قبيل الخِطاب، وهذا يستحيل حصوله لغير الأنبياء، وهو الذي خُصَّ به موسى؛ إذ كان المخاطِبُ هو الحق -عز وجل-.

وأما ما يقع لكثير من أرباب الرياضات من سماع؛ فهو من أحد وجوه ثلاثة، لا رابع لها؛ أعلاها: أن يخاطبه الملَكُ خطابًا جزئيًّا، فإن هذا يقع لغير الأنبياء؛ فقد كانت الملائكة تخاطب عمران بن حصين بالسلام، فلما اكتوى تركت خطابه، فلما ترك الكي عاد إليه خطاب ملكي؛ وهو نوعان:

أحَدُهُمَا: خطابٌ يسمعه بأذنه، وهو نادر بالنسبة إلى عموم المؤمنين.

وَالثَّانِي: خطاب يُلْقَى في قلبه يُخَاطِبُ به الملك روحه، كما في الحديث

المشهور: "إنَّ لِلْمَلَكِ لمَّة بقَلْبِ ابْنِ آدَمَ، وللشَّيْطَانِ لَمَّةًْ، فلَمَّةُ الْمَلكِ: إيعَادٌ

بالخَيْرِ، وتَصْدِيقٌ بالْوَعْدِ، ولَمَّةُ الشَّيْطَانِ: إيعَادٌ بالشَّرِّ، وتكذيبٌ بالْوَعْدِ" (١)،

ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} [البقرة: ٢٦٨]، وقال -تَعَالَى-: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ

فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: ١٢]، قيل في تفسيرها: قَوُّوا قلوبهم، وبشِّرُوهُمْ بالنصر. وقيل: احضُروا معهم القتال، والقولان حق؛ فإنهم حضروا معهم القتال، وثبَّتُوا قلوبهم.


(١) تقدم تخريجه ص (١٧٠) هامش رقم (١).

<<  <   >  >>