للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثانيهما: رجل تكرر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتب، حتى انطبعت في نفسه صفاته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأما غير هذين فلا يحصل الجزم؛ بل يجوز أن يكون من تخييل الشيطان، ولا يُفيده قول المرئي: "أنا رسول الله"، ولا قولُ من يحضر: "هذا رسول اللَّه"، لأن الشيطان يكذب لنفسه، ويكذب لغيره، فلا يحصل الجزم) (١).

وروى الترمذي في "الشمائل" عن عوف بن أبي جميلة، عن يزيد الفارسي -وكان يكتب المصاحف- قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام زمن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، فقلت لابن عباس: "إني رأيت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- في النوم"، فقال ابن عباس: إن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي، فمن رآني في النوم فقد رآني"، هل تستطيع أن تنعت هذا الرجل الذي رأيته في النوم؟ فقال: نعم، أَنْعَتُ لك رجلًا بين الرجلين، جسمه ولحمه أسمر إلى البياض، أكحل العينين، حسن الضحك، جميل دوائر الوجه، قد مَلَأَت لحيته ما بين هذه إلى هذه، قد ملأت نحره، قال عوف: ولا أدري ما كان هذا النعت.

فقال ابن عباس: "لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا" (٢).

وروى الحافظ في "الفتح" (من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن سليمان بن حرب -وهو من شيوخ البخاري- عن حَمَّاد بن زيد، عن أيوب قال: "كان محمد -يعني ابن سيرين- إذا قَصَّ عليه رجل أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "صِفْ لي الذي رأيته"، فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال: "لم تَرَهُ"، وسنده صحيح). اهـ (٣).


(١) "مصائب الإنسان من مكائد الشيطان" ص (١٧٢).
(٢) "الشمائل" للترمذي رقم (٤١٢)، وحسنه الألباني -رحمه الله-.
(٣) "فتح الباري" (٢/ ٣٨٤).

<<  <   >  >>