للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عاصم بن كُليب قال: حدثني أبي؛ أنه سمع أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثلني"، قال أبي: فحدثت به ابن عباس، فقلت: قد رأيتُه -أي النبي- صلى اللَّه عليه وسلم -في المنام- فذكرتُ الحسنَ بنَ علي -رضي الله عنهما- فقلت: شبَّهْتُه به، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إنه كان يُشبهه" (١).

- فمِن ثم قال الحافظ -رحمه الله-: "قال علماء التعبير: إذا قال الجاهل: (رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-)؛ فانه يُسأل عن صفته، فإن وافق الصفة المروية؛ وإلا فلا يُقبل منه". اهـ (٢).

(وقصة الشيخ عبد القادر مع الشيطان معروفة، وذلك حين قال له الشيطان: "أنا ربك، قد أبحتك من فرائضي"، فقال له الشيخ: "اخْسأ يا عدو الله"، فقال الشيطان: "غَلَبْتَنِي بفقهك يا عبد القادر"، فَسُئِلَ عن كيفية وقوفه على خُدْعَةِ الشيطان، فقال: إن الشيطان قال: "أنا ربك"، ولم يجرؤ على أن يقول: "أنا الله"، وزعم أنه قد أَحَلَّنِي من فرائض العبادات، والله -عَزَّ وجَلَّ- لم يُحِلَّ ذلك لنبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكيف يحلها لي؟

فإذا كان يُمْكِنُ للشيطان أن يقول: أنا ربك؛ ألا يمكنه أن يقول "أنا النبي"، من غير أن يتمثَّل بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالضرورة) (٣).

إن رؤياه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام آمرًا بشيء، أو ناهيًا عن آخر، أو مظهرًا حبه لأمر أو شخص أو طائفة، أو مبديًا كراهته وسخطه على فرد أو جماعة، أو موقف أو عمل -كل ذلك لا يؤخذ به، ولا يثبت بمثله حكم شرعي


(١) أخرجه الترمذي في "الشمائل" رقم (٤١١)، والحاكم (٤/ ٣٩٣). وصححه، ووافقه الذهبي،
وجوَّد إسناده الحافظ في "الفتح" (١٢/ ٣٨٤)، وصححه الألباني.
(٢) "فتح الباري" (١٢/ ٣٨٧).
(٣) انظر: "شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة" ص (٣٩٤).

<<  <   >  >>