للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا قاعدة دينية، فإن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكمًا شرعيًّا ليس بحق في نفسه، بل هو إما خيال أو وهم، وإما من إلقاء الشيطان، وقد يخالطه ما هو حق وقد لا يخالطه، وجميع ذلك لا يصح اعتباره من جهة معارضته لما هو ثابت مشروع، وذلك أن التشريع الذي أتى به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام لا خاص، وأصله لا ينخرم، ولا ينكسر له اطراد، ولا يحاشَى من الدخول تحت حكمه مكلف، وإذا كان كذلك، فكل ما جاء من هذا القبيل الذي نحن بصدده مضادًّا لما تمهد في الشريعة؛ فهو فاسد باطل.

ومن أمثلة ذلك: مسألة سئل عنها ابن رشد في حاكم شهد عنده عدلان مشهوران بالعدالة في أمر، فرأى الحاكم في منامه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "لا تحكم بهذه الشهادة؛ فإنها باطل"، فمثل هذه الرؤيا لا معتبرَ بها في أمر ولا نهي، ولا بشارة ولا نذارة، لأنها تخرم قاعدة من قواعد الشريعة، وكذلك سائر ما يأتي من هذا النوع، وما روي "أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- أنفذ وصية رجل بعد موته برؤيا رؤيت (١)؛ فهي قضية عين لا تقدح في


(١) قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الإصابة (١/ ٣٩٥، ٣٩٦):
"وفي البخاري مختصرًا والطبراني مطولًا عن أنس -رضي الله عنه- قال: "لما انكشف الناس يوم اليمامة قُلتُ لثابت بن قيس: ألا ترى يا عم؟ ووجدته يتحنط، فقال: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بئس ما عودتم أقرانكم، اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ومما صنع هؤلاء، ثم قاتل حتى قُتل، وكان عليه درع نفيسة، فمر به رجل مسلم فأخذها، فبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه، فقال: إني أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حُلم فتضيعه؛ إني لما قُتلت أخَذَ درعي فلان، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس تستن -أي تعدو مرحًا ونشاطًا-، وقد كفى على الدرع بُرمة، وفوقها رَحْل، فأتِ خالدًا فمره فليأخذها، وليقل لأبي بكر: إن عليَّ من الدين كذا وكذا، وفلان عتيق.
فاستيقظ الرجل فأتى خالدًا، فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتى بها، وحدث أبا بكر برؤياه، فأجاز وصيته. ورواه البغوي من وجه آخر عن عطاء الخراساني عن بنت ثابت بن قيس مطولًا. اهـ، وانظر ص (١٤٢).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- في "الاختيارات الفقهية" (١٨٩): "وتصح الوصية بالرؤيا الصادقة =

<<  <   >  >>