للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قول النحويين إن "هذا" للقريب، و "ذلك" للبعيد، فتقريب، وليس بيان حقيقة الأمر.

ومما ذكرنا يتبين أن ما زعم ابن جرير رحمه الله، وتبعه المفسرون، أن {ذلك} هاهنا بمعنى هذا، واستشهد بقول خُفاف بن نَدْبة (١):

أقول له والرمحُ يأطِرُ متنَه ... تأمَّلْ خُفافاً إنني أنا ذلكا (٢)

فلا يصح، لا في البيت، ولا في الآية: أما الآية فقد بينا أن {ذلك} هاهنا يدل على أمر لا يدل عليه "هذا". وفي القرآن نظائر كلها تؤيد ما ذكرنا، كما سيأتيك (٣). وأما البيت فيقبح فيه لفظ "هذا"، فإن الشاعر بعد ما ذكر اسمه لعدوه، قال له: إنني عدوك الذي سمعته وعلمته من قبل. فلو قال: إنني أنا هذا، لم يدل على ذلك المعنى؛ وأيضاً سقط، لما أن في "ذلك" دلالة على عظمته، ولا فائدة في "أنا هذا" (٤).


(١) هو خُفاف بن عُمير السُّلَمى، وندبة (بفتح النون وضمها) أمه. شاعر فارس صحابي، من أغربة العرب وأشعر الفرسان. عاش في الجاهلية دهراً، ثم أدرك الإسلام، فأسلم وشهد فتح مكة وحنيناً والطائف، وبقي إلى أيام عمر. وهو ابن عم خنساء بنت عمرو الشاعرة.
ألقاب الشعراء ٢: ٣١١. الشعراء: ٣٤١ - ٣٤٢ الآمدي: ١٥٣ - ١٥٤. الأغاني ١٨: ٢٢ - ٣٨. تحفة الأبيه ١: ١٠٤ الإصابة: الرقم ٢٢٧٣، الخزانة ٥: ٤٤٣ - ٤٤٥.
(٢) من أبيات له في شعره (شعراء إسلاميون) ٤٨٢ - ٤٨٥، وهي في الأغاني ١٨: ٢٢ - ٢٣ والحماسة البصرية ١: ٣٢١ والخزانة ٥: ٤٣٩ - ٤٤٠. والبيت وحده في معاني الأخفش: ١٣١ والاشتقاق: ٣٠٩، وانظر تخريج البيت والقصيدة في شعره: ٥٤٢. "لَهُ": أي لمالك بن حمار الفزاري و "يأطر متنه": يعطفه ويثنيه.
(٣) يعني في تفسيره.
(٤) قال المبرد في الكامل (١: ٢٢٦ - ٢٢٧):
"ومما سأله (يعني نافع بن الأزرق) عنه {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ} فقال ابن عباس: "تأويله: هذا القرآن". هكذا جاء، ولا أحفظ عليه شاهداً عن ابن عباس، وأنا أحسبه أنه لم يقبله إلا بشاهد. وتقديره عند النحويين إذا قال {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أنهم قد كانوا وعدوا كتاباً. هكذا التفسير، كما قال جل ثناؤه: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} ويعني بذاك اليهود، وقال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} فمعناه: هذا الكتاب الذي كنتم =

<<  <   >  >>