للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بطهارة النفس والمواساة بالفقراء (١). واستعمل لفظ التقوى (٢) لأنّه كان أقرب شيء من حقيقة الصوم ومن علمهم به، فإنهم كانوا يُعوِّدون أفراسهم وآبالهم بالصبر (٣) عن الماء والكلأ، لكي يَقوَوْا على احتمال الصبر عند الشدائد، كما كانوا يُعوِّدون أفراسهم باستقبال الريح، فإنّ التعوّد به من أكبر حاجات عند السير أو الحرب إذ كانت الريح تسفي التراب في وجوههم. ألم تَرَ كيف نصر الله نبيّه بالريح (٤). وهذا الأمر قد وقع في زماننا هذا عند هجوم الكفار. وقد ذكر جرير هذين الأمرين في بيت له:

ظَلِلنا بِمُسْتَنِّ الحَرُورِ كأنّنا ... لَدَى فَرَسٍ مُسْتَقْبِلِ الريحِ صَائمِ (٥)

إنه وصف حال أصحابه برجل قام مع فرس يروض باستقبال الريح والصوم. والعرب لا تشبّه بأمر غير معتاد. وأراد بقوله "لدى" أنه قائم مع الفرس، وليست العادة أن يقوم الرجل مع الفرس، ووجهُه على غير جهةِ فرسه. والأشعارُ في بيان صوم الفرس كثير (٦).


(١) في سورة البقرة، الآيات: ١٨٣ - ١٨٧.
(٢) في قوله تعالى في سورة البقرة: ١٨٣ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
(٣) يقال: عَوَّده الشيءَ وتعوَّده، وأجراه المؤلف مجرى قولهم أخذ بالشيء وأخذ نفسَه به.
(٤) في غزوة الأحزاب. قال تعالى في سورة الأحزاب ٩ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} وانظر السيرة ٢: ٢٣١.
(٥) من قصيدة يجيب بها الفرزدق، وهي في ديوانه ٩٩٣ - ١٠٠٧ والنقائض ٧٥٣ - ٧٦٧ والبيت وحده في اللسان (سنن) مستنّ الحرور: مجرى الريح الحارة.
(٦) منها قول بشر بن أبي خازم الأسدي من قصيدة في ديوانه ٢٠٩ والمفضليات ٣٣٦:
١ - وماَ يَسعى رِجالُهمُ ولكنْ ... فُضولُ الخيلِ مُلْجَمَةٌ صِيَامُ
يصف قومه فيقول: لا يمشون على أرجلهم ولكن لهم فضول خيل يركبونها.
والصائم: القائم الساكت الذي لا يطعم شيئاً (شرح الأنباري ٦٥٦).
٢ - وقال أيضاً من أبيات في الحماسة البصرية ١: ٨٥.
متى ما أدعُ في أسدٍ تُجِبْني ... مُسوَّمةٌ على خيلٍ صِيامِ =

<<  <   >  >>