للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢١ - في أول الآية (لكم) وفيها لطيفة، وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم، لتخصيصهم بالمعنى مع وجوده فيمن سواهم (١).

٢ - ومن الفنون البلاغية: التتميم (٢):

وهو على ثلاثة أقسام تتميم النقص، وتتميم الاحتياط، وتتميم المبالغة، وقد وردت الأقسام الثلاثة كلها في قوله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦) [البقرة: ٢٦٦].

جاء أول هذه التتميمات في قوله تعالى في تفسير الجنة مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ فلو قال جنة لكان كافيا، ولكن عندئذ تحتمل أن تكون جنة ذات أثل وخمط وشيء من سدر قليل، فإن لفظ الجنة يصدق على كل شجر مجتمع يستر بظل غصونه الأرض كائنا ما كان، ومن الشجر ماله نفع عظيم عميم كالنخيل والأعناب. فإذا كانت الجنة عظيمة الفائدة ثم احترقت كان أسف صاحبها أعظم ومصابه أفدح. ثم علم الله سبحانه وتعالى أن الجنة إن كانت من نخيل وأعناب ما لم تجر الأنهار من تحتها لم يثمر شجرها ولم ينتفع بسكنها ولم تكن لها حياة البتة، فتمم هذا النقص بقوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. ثم علم الله سبحانه وتعالى أن الجنة لو جمعت إلى النخيل والأعناب كل الثمرات كان وصفها أتم ونفعها أعظم، والأسف على فسادها أشد فقال تعالى: لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، متمما لذلك تتميم مبالغة. ولما فرغ سبحانه وتعالى من أوصاف الجنة أخذ في وصف صاحبها: فوصفه بالكبر، لأنه لو كان شابا لرجا أن يخلفها بعد إحراقها،


(١) انظر هذه المقارنة في «غرائب القرآن» للنيسابوري: ٢/ ٩٠، و «معترك الأقران» للسيوطي: ١/ ٣٠٠.
(٢) انظر المثال في كتاب بديع القرآن لابن أبي الأصبع ص ٨.

<<  <   >  >>