للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فأنت ما دمت في القرآن حتى تفرغ منه، لا ترى غير صورة واحدة من الكمال، وإن اختلفت أجزاؤها في جهات التركيب ومواضع التأليف، وألوان التصوير وأغراض الكلام كأنها تفضي إليك جملة واحدة) (١).

[وجه الإعجاز عند الرافعي]

انطلق الرافعي كما رأينا في حديثه عن الإعجاز من الحروف وأصواتها، ثم من الحركة الصرفية واللغوية للألفاظ القرآنية المشتملة على تلك الحروف، حتى ليمكن القول: إن عماد حديثه عن إعجاز النظم الموسيقى يعتمد بالدرجة الأولى على الألفاظ وعلى الجانب الصوتي منها على وجه الخصوص.

يقول الرافعي: (ولو تدبرت ألفاظ القرآن في نظمها لرأيت حركتها الصرفية واللغوية تجري في الوضع والتركيب مجرى الحروف أنفسها فيما هي له من أمر الفصاحة، فيهيّئ بعضها لبعض، ويساند بعضها بعضا، ولن تجدها إلا مؤتلفة مع أصوات الحروف، مساوقة لها في النظم الموسيقى، حتى إن الحركة ربما كانت ثقيلة لسبب من أسباب الثقل أيا كان، فلا تعذب ولا تساغ وربما كانت أوكس النصيبين في حظ الكلام من الحرف والحركة، فإذا هي استعملت في القرآن رأيت لها شأنا عجيبا، ورأيت أصوات الأحرف والحركات التي قبلها قد امتهدت لها طريقا في اللسان واكتنفتها بضروب من النغم الموسيقى، حتى إذا خرجت فيه كانت أعذب شيء وأورقه، وجاءت متمكنة في موضعها وكانت لهذا الموضع أولى الحركات بالخفة والروعة).

ثم يضرب لذلك أمثلة يوضح بها ما ذهب إليه، فيقول: (من ذلك لفظة (النّذر) جمع نذير، فإن الضمة ثقيلة فيها لتواليها على النون والذال معا، فضلا عن جشأة هذا الحرف ونبوّه عن اللسان، وخاصة إذا جاء


(١) «إعجاز القرآن» للرافعي، ص ٢٣٧.

<<  <   >  >>