للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصدهم عن القتال، فخالفوهم في ذلك واتصفوا بأشد ما يناقض عهدهم، وهو السبب في فشل المؤمنين وخذلانهم.

وقوله تعالى: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ... (١٦)

قال ابن عرفة: المجرور متعلق بالفعل، وهو فررتم لَا بالفرار إما لقربه منه، وإما لأنه الأصل في العمل حسبما أشار إليه الزمخشري في (ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ)، [فإن قلت: بم تعلق مِنَ الْأَرْضِ أبالفعل أم بالمصدر؟ قلت: هيهات، إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل*] [يريد*] وإن ذلك إنما هو حيث يكون المصدر جاريا على ذلك الفعل، مثل (دَعَاكُمْ دَعْوَةً)، وأما هذا فإن مصدر فررتم الجاري على المفر أن يكون الفرار إلا الفرار، وما كلام الزمخشري إلا حيث تجري فتأمله، قلت: وهذا الذي ذكر غير صحيح، فإن مصدر فررتم ما هو إلا الفرار فتأمله، وإمَّا لأن الفرار مصدر معرف بالألف واللام فهو موصول فلو تعلق به لوقع الفصل بين الصلة والموصول بأجنبي، ومعناه أن تعلق الفعل لن ينفعكم الفرار من كل شيء [إن*] فررتم من الموت أو القتل، لأنهم قد يفرون لحفظ أموالهم، كما قالوا (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ)، وإن تعلق بالفرار فمعناه لن ينفعكم الفرار من الموت أو القتل إن فررتم منهما، قال: ومما يرجح تعلقه بالفرار أنه إذا تعلق بـ فررتم لم [يناقض*] أول الآية آخرها، بقوله تعالى: (وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا)، فقد نفعكم الفرار مطلق نفع، وهو التمتع القليل، فلا يصح أن ينفي عنهم نفعه لهم مطلقا، إذا تعلق بالفرار لَا يكون فيه تناقض بوجه، فإن قلت: ما أفاد بقوله (إِنْ فَرَرْتُمْ) قلت: عادتهم يجيبون: بأن [السالبة عند المنطقيين ما تقتضي وجود الموضوع ولا عدمه*] كقولك: لَا شيء من الآدمي في هذا البيت [بمتنفس*]، فيصدق بأن يكون ليس فيه حيوان بوجه، والموجبة المعدولة تقتضي وجود الموضوع نحو: كل آدمي في هذا البيت متنفس، فيقتضي وجوده، وأنه محكوم عليه بعدم التنفس، فإما أن [تكون*] كاذبة أو يكون الآدمي ميتا، وكذلك ما لم يقل: (إنْ فَرَرْتُمْ)، [لأوهم أنهم إنما لم ينفعهم الفرار لعدم وقوعه، فلما قال: (إنْ فَرَرْتُمْ)، أفاد أنه وجد، ولم ينفعهم وجوده*].

قوله تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧)}

الولي: هو القريب الموالي، فهو أخص من الناصر؛ لأن الناصر قد يكون أجنبيا، ونفي الأخص لَا يستلزم نفي الأعم، فلذلك عطفه عليه، وكذلك قال ابن عطية في أوائل العنكبوت.

قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ ... (١٨)}

<<  <  ج: ص:  >  >>