للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن عطية: [ولم يبح*] في هذا المعنى إلا ما تدعو الضرورة إليه من تجريح [في الشهود*]، [وفي التعريف لمن استنصح في الخطاب ونحوهم*]، انتهى، ولما عرف عياض في المدارك بالشيخ العابد أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن علي السجستاني، قال: قال أبو الحسن القابسي: لما خرجنا عنه هربت من يد صبي دابة كان يمسكها لنا، فقلت: أعطيتموها لصبي لم [يقم*] لها فضاعت، فقال لي أبو إسحاق: قد [اغتبته*]؟ فقلت له: وصفته بحاله، وفي السنة ما يبيح ذلك، وهو قوله عليه السلام للتي شاورته في النكاح: "أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ"، فقال لي: لا حجة فيها لأن المستشار مؤتمن، وأيضا فإِنما شاورته لتنكح في أنه يدخلها في النكاح أو يصرفها عنه، ومسلما ليست كذلك؛ بل في السنة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتاه طبيبان وكانا نصرانيين فلما خرجا، قال: "لولا أن يكون غيبة لأخبرتكم أيهما أطب".

قال أبو الحسن: ولم أكن أعرف أنهما نصرانيين قبل ذلك، ثم قال لي: أرأيت هذا الصبي لو سمعك لكان توجهه نفسه، وإنما كان أحب إليك [تجده*] في صحيفتك أولا، فقلت: له صدقت، انتهى.

قال شيخنا ابن عرفة: يحتمل أن يكون معنى الحديث في الطبيبين أنهما استويا في القدر المجزئ منهما المحتمل [للفرض*]، وزاد أحدهما بأمور تكميلية لَا يضر تركها ولا ينقص من معرفة العلاج والمعاناة، فزاد بعلم الطبيعيات، فحينئذ يكون تفضيل أحدهما على الآخر غيبة، وأما حيث يكون المرجوح منهما لَا يحصل المقصود منه في التطبيب، فالظاهر أن التعريف بذلك ليس بغيبة.

قوله تعالى: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا).

الهمزة للإنكار على غير المخاطبين؛ لأن المخاطبين لم يفعلوا ذلك، وهذا من [**الخطاب الشعري]. الفخر، وفيه معنى آخر وهو أن [الِاغْتِيَابَ كَأَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ مَيْتًا، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلَّا لِلْمُضْطَرِّ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْمُضْطَرُّ إِذَا وَجَدَ لَحْمَ الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ وَلَحَمَ الْآدَمِيِّ الْمَيِّتِ فَلَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْآدَمِيِّ، فَكَذَلِكَ الْمُغْتَابُ إِنْ وَجَدَ لِحَاجَتِهِ مَدْفَعًا غَيْرَ الْغِيبَةِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ الِاغْتِيَابُ*]، انتهى. لو أريد هذا المعنى لقيل: أيأكل أحدكم، والذي في الآية إنما هو: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ) والمضطر يأكل الميتة وهو كاره لها غير محب لها، فصدق نفي المحبة مطلقا مع الاختيار والاضطرار. الفخر، (مَيْتًا) حَالٌ [عَنِ اللَّحْمِ أَوْ عَنِ*] الْأَخِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>