للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى؛ {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَا ... }.

الخير باعتبار المصالح الشرعية، فقد يكون متعلق الحكم يستلزم مصلحة أرجح (من مصلحة أو مثلها ومعنى {نُنسِها} أي نؤخرها فتعجيل نسخها أو تأخير نزولها إنما هو لتعجيل الإتيان بما مصلحته أرجح). وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة. واحتج الفخر الرازي في المحصول بهذه الآية على جواز النسخ ووقوعه.

ورد عليه السراج في التحصيل بأنها قضية شرطية لا تدل على وقوع ولا على إمكان الوقوع كقوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} وأجاب عنه ابن الخطيب شمس الدين الجزري بأن الاية خرجت مخرج المدح، والمدح لا يكون إلا بما (هو) واقع بالفعل لأن الله تعالى قال: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. فقد أثنى على نفسه جل وعلا بذلك.

قال ابن عرفة: والتحقيق في هذا (أن) المدح دال على جواز النسخ وإمكانه لا وقوعه كما تقول: فلان قادر على أن يعطي ألف درهم وإن لم يعطها بالفعل، فالمدح بذلك دال على أن إعطاءه غير محال بل هو ممكن سواء وقع بالفعل أم لم يقع.

قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

قال ابن عطية: الهمزة (للتقرير).

قال ابن عرفة: التقرير في حق المرضي عنه ليس (كالتقرير) في حق غيره.

قال: فإن كان خطابا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فالمعادل محذوف تقديره: أم علمت ذلك، وضعفه ابن عرفة وأبو حيان بأن المعادلة إنما يحتاج إليها إذا كان الاستفهام عن أمرين يكون المتكلم شاكا في أحدهما فيطلب تعيينه. وأما إذا كان الإستفهام للتقرير فليس على هو حقيقته فلا يحتاج إلى المعادلة بوجه.

قال ابن عطية: وهو مخصوص بالقديم والمحال.

قال ابن عرفة: أما القديم فظاهر لأن القدرة لا تتعلق به، وأما المحال (فلا) يتناوله اللّفظ (بوجه)، لأنه ليس بشيء ولا سيما المحال عقلا.

ونقل بعض الطلبة عن شرح الأسماء الحسنى لابن (الدهاق) قولا بجواز تعلق القدرة بالمحال العقلي. ورده ابن عرفة بقول الإرشاد: العقل علوم ضرورية لجواز الجائزات واستحالة المستحيلات قال: فيلزم سقوط هذا القسم ولا قائل به.

قال ابن عرفة: وتقدم لنا (في الختمة الأخرى) في الآية سؤال، وهو أن النسخ تبديل آية بآية أو حكم شرعي بحكم شرعي، والحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين، وخطابه كلامه القديم الأزلي، فهو راجع إلى الكلام القديم، والقدرة لا تتعلق بالقديم بوجه، وإنما تتعلق بالحادث فكيف حسن بعده أن يقال: {أَلَمْ تَعْلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>