للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولا، ويجاب: بأن الأخذ هنا تقيد باليوم، ولا شك أن ذلك اليوم متأخر عن الغرور، فصح أنها للتعقيب أو أعم منه، بدليل أن من وهب لرجل [جُبَّة*] فقبلها منه، ولم يأخذها حتى مات، أن [الهبة*] باطلة، فترى القبول لَا يستلزم الأخذ، ولو كان أخص لاستلزمه، لأن وجود الأخص يستلزم وجود الأعم، فالجواب بينهما [عموم وخصوص*] من وجه دون وجه، فتارة استعمل أحدهما، وتارة استعمل الآخر.

قوله تعالى: (وَلَا مِنَ الَّذِين كَفَرُوا).

من عطف الأعم على الأخص، لأن المنافقين من الكافرين، لكن لما كان جانب المنافقين أعظم لقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)، وكان عطف الكفار تأسيسا، ولَا يلزم من عدم أخذ الفدية من المنافقين عدم أخذها من الكافرين، قال الفخر (١): والفدية ما يفتدى به، فيتناول التوبة والإيمان، والمال، [وفيها*] حجة للمعتزلة في قولهم: إن قبول التوبة غير واجب عقلا، لأنا أجمعنا على أن التوبة من الذنوب تنفع في الدنيا، فلو كانت [عقلية*] لاستوي حالها في الدنيا والآخرة (١)، انتهى، يقول: إنها عقلية في الدنيا فقط، وأما في الآخرة فهي شرعية، لأن المكلف في الدنيا تمكن من المعاصي، ومن الكفر فيحتاج حين التوبة للتكليف الامتناع من المخالفات، وحبس نفسه عن شهواتها بخلاف الآخرة، فإنه غير متمكن من ذلك فيها.

قوله تعالى: (مَأوَاكُمُ النارُ).

إن قلت: هذا التركيب يقتضي الخلود، لأن مأواكم مبتدأ والنار خبره، والقاعدة: أن المبتدأ إما مساو للخبر، أو أخص منه فإن كان [مساويا*]، فالمأوى هو النار، وإن كان أخص [فإن*] وجد المأوى، وجدت النار، لأنه مهما وجد الأخص وجد الأعم، قلت: الخلود [يقضي بانعدامهم*]، لجواز أن يعذبهم الله تعالى فينعدم المأوى.

قوله تعالى: (مَوْلاكُم).

الزمخشري: أي هي أولى بكم، وأنشد قول لبيد:

فَعَدَتْ كِلا الفَرجَينِ تَحْسِبُ أَنّه ... مَوْلى المَخَافَةِ خَلْفُها وَأَمَامُهَا


(١) هكذا النص في مفاتيح الغيب:
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِدْيَةَ مَا يُفْتَدَى بِهِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْإِيمَانَ وَالتَّوْبَةَ وَالْمَالَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَقْلًا عَلَى مَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفِدْيَةَ أَصْلًا وَالتَّوْبَةُ فِدْيَةٌ، فَتَكُونُ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ وَاجِبَةَ الْقَبُولِ عَقْلًا. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>