للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ... }.

الضمير عائد على القتال إما (لقربه) وإما لأنه إنما يعود على (الكتب) باعتبار متعلقه لأنهّم لايكرهون الكتاب لذاته. والكراهة هنا ليست بمعنى البغض بل بمعنى النفور منه وصعوبته على النفس كصعوبة الوضوء في زمن البرد فيكرهه المكلف كذلك لا أنه يبغضه.

قوله تعالى: {وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ... }.

قال أبو حيان: عسى الأول للاشفاق والثانية للرجاء.

قال ابن عرفة: المناسب العكس، فإن المستقبل في الأولى خير وانتظاره رجاء، والمستقبل في الثانية شر فانتظاره إشفاق وخوف.

قيل لابن عرفة: إنما المعتبر ما دخلت عليه (أن)؟

فقال: نعم لكن بصفته وقيده، والأول مقيد بأنه (يعقبه خير، والثاني مقيد بأنه يعقبه الشر.

قيل لابن عرفة: المستقبل غير معلوم للانسان وإنّما يعلم الحاضر فيعسر عليه المستقبل فإن كان الحاضر خيرا ترجّى دوامه وإن كان شرا أشفق وخاف من دوامه.

قال أبو حيان: وكل عسى في القرآن للتحقيق يعنون به الوقوع الا قوله عَزَّ وَجَلَّ {عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} قال ابن عرفة: بل هي أيضا للتّحقيق لما تقدم من أنّ القضية الشرطية تقتضي صحّة ملزومية الجزاء للشرط ولا تقتضي الثبوت والوقوع، والقضية الحملية تقتضي الثبوت والوقوع أو بفهم الوقوع في (الآية) باعتبار (المتكلم) بهذا الشرط والرجاء واقع من الله تعالى.

قوله تعالى: {والله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.

قال ابن عرفة: الآية تدل على أن جميع الأحكام الشرعية تعلل، وذلك أنهم اختلفوا في التعبدات فذهب جماعة منهم الشيخ الهمام عز الدين ابن عبد السلام إلى أنّها الأحكام (التي لاتدرك لها علة، وفي بعض كلام ابن رشد وكلام المتقدمين ما يدل على أنها الأحكام) التي لا علة لها، والآية تقتضي أنّ الأحكام كلّها لاتكون إلا لمصلحة لأنّها خرجت مخرج (التّبيين) على كمال المبادرة إلى امتثال الأحكام الشرعية فدل على أن المراد والله أعلم ما في ذلك من المصلحة وَأنتُمْ لاَ تَعْلَمونها.

فعليكم أن تأخذوها بالقبول.

وقوله: وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ: قال ابن عرفة: يصح أن يكون في موضع الحال.

قيل له: علمنا حادث لا يُجامع علم الله القديم؟

فقال: هي حال مقدرة والتحقيق أنّا إن جعلنا الجملة في موضع الحال تكون سالبة تقتضي وجود

<<  <  ج: ص:  >  >>