للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تأوله ابن عطية: بأمرين:

أحدهما: إما لَا توبة لهم فتقبل، مثل على لاحبٍ يهتدي بمناره، وأما إن كان عند العز عزه والمعاينة، زاد الزمخشري أنها كناية عن عدم إيمانهم، مثل: فلان كثير رماد القدر فهو من إقامة المسبب مقام السبب، أي يؤتون كفارا فيدخلون في جملة من لا تقبل توبته، والآية في قوم معينين من اليهود؛ لأن منهِم من أسلم وحسن إسلامه، فإن قلت: لم أدخل الفاء في قوله: (فَلَنْ يُقبَلَ مِنْ أحَدِهِم) ولم يدخلها لن تقبل توبتهم، فأجيب: بقوة السببية، وظهورها في الآية الثانية دون الأولى، لأن موتهم كفارا سبب في عدم قبول الفدية منهم وكفرهم النبي سبب في عدم قبول توبتهم، بدليل ما قالوا من أنها في قوم مخصوصين؛ لأن هناك من أسلم وحسن إسلامه، وقبلت توبته، قال ابن عرفة: واستعمل في الآية شبه مقدمتين صغرى وكبرى، فكأنه قال (الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا) يموتون كفارا، وكل من كفر ومات كافرا لا تقبل منه الفدية بملء الأرض ذهبا.

قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (٩٢)}

قال ابن عرفة: في الآية تخفيف وتشديد، والتخفيف من قوله تعالى: (مِمَّا تُحِبُّونَ) ولم يقل: من أحب الأشياء إليكم فيتناول ذلك النفقة من المحبوب والأحب والصحابة، إنما كانوا ينفقون من الأحب لمحافظتهم على أسنى الدرجات، والتشديد في النفي بلن وهي أبلغ من لَا، وفي تعليق الغاية بحتى المقتضية دخول ما بعدها فما قبلها دون إلى الغير مقتضية للدخول وهذا مثل قوله تعالى: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) واختلفوا في البر، فقيل: هو درجة الكمال، أي لن تكونوا أبرارا، وقيل: هو الجنة، وقيل: هو الثواب.

ابن عرفة: فإن قلنا: به درجة الكمال، فظاهر، وإن قلنا: المراد به الجنة أو الثواب فيبقى السؤال فيمن أنفق مما يكره كمن يكره الموز والرمان فيتصدق بهما مع أن له الثواب، فلا بد أن تكون الألف واللام للعهد، والمراد الخاص، وهو ثواب خاص لَا مطلق الثواب، فلذلك عرفه بالألف واللام.

قوله تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

اعتراض خشية أن يتصدق بشيء محبوب عند النَّاس وهو يكرهه ويظهر أنه المحبوب له لينال هذا الثواب الخاص، فإن الله به عليم بما في نيته وكذلك من يتصدق

<<  <  ج: ص:  >  >>