للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَلِيمَ) فإن تلك ظاهرها جواز الدعاء بذلك، وتقدم الجواب بقوله تعالى: (فَلا يُؤْمِنُوا) فإن أريد ربنا اطمس عليهم طمسا متصلا بالموت لَا يعقبه إيمان إلا عند المعاينة في محل لَا ينفعهم فيه الإيمان يؤخذ منها ذلة، وإن أريد (رَبَّنَا اطمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِم) فلا يؤمنوا إلى حين الموت قبل معاينة مقدماتها، أي حين يعاينوا رؤية العذاب فلا دليل فيها.

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ... (٤٨)}

ابن عرفة: وهذا احتراس؛ لأنه لما قال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا) أوهم أن لهم في ذلك كسبا وقدرة فاحترز بذلك بقوله: (وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ).

قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).

قال ابن عطية: النَّاس على أربعة أقسام: قسم تائب مات على توبته فهو عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة، قال ابن عرفة: في مثل هذا قالوا: كان الفقيه محمد أبو عبد الله البرجيني يقول: رقد ابن عطية هنا وهذا الموضع جدير بأن يقال فيه ذلك، إذ لم يقل أحد من المتكلمين أنه في المشيئة بل كلهم أجمعوا على أنه في الجنة إذا أتى بالتوبة مستوفاة الشروط من رد المظالم إلى أهلها، وغير ذلك من شروطها، وإنَّمَا الخلاف في توبته عند أهل السنة هل هي قطعية أو ظنية، وأجمعوا على أنه في الجنة.

قيل لابن عرفة: وظاهر عموم الآية أن مرتكب الكبيرة في المشيئة فيعم قاتل العمد وغيره، قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) نص في الخلود، ولكن أجمعوا أهل السنة أنه غير مخلد وينفي الكلام في دخوله النار ابتداء فظاهر هذه الآية أنه معروض على العفو عنه، ونص تلك الآية على أنه غير معروض العفو؛ لأن تلك خاصة، وهذه عامة والخاص يقدم على العام.

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ... (٤٩)}

ابن عرفة: الاستفهام على سبيل التعجب من مدلوله وهو تزكيتهم أنفسهم فإن قلت: ظاهر منع قبول الخبر الذي يقتضي تفضيل الخبر فعادتهم يجيبون بأن ذلك مشروط بالعدالة فالعدالة تقتضي قبول خبره، والتفضيل إنما هو من غيره وهو المنقول عنه ذلك الخبر، فإن قلت: الإضراب هنا بل من غير المضرب عنه؛ لأن مذهب أهل السنة أن تزكيتهم لأنفسهم خلق الله تعالى، فالله تعالى هو الذي يزكيهم فكيف بهم

<<  <  ج: ص:  >  >>