للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: (لِلكَافِرِينَ) بأن الكافرين فاعل في المعنى، وشبه مفعول أعطى والفاعل هو المقدم في الرتبة مقدم في اللفظ، وهذا إذا كان باعتبار الفعل والوجود فيكون في الآخر فقط، وإلا فقد استولوا على المؤمنين في الدنيا في غزوة أحد وغيرها، وإن كان باعتبار الحكم الشرعي فهو في الدنيا والآخرة.

قيل لابن عرفة: قد قال أشهب: إن الكافر إذا ملك المؤمن عتق عليه، ويكون ولاؤه له، أفترى له عليه سبيل عند أشهب؟.

قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ... (١٤٢)}

قال ابن عرفة: التأكيد بأن إنما يصح إذا كان المخاطب منكرا وطرأت عليه مخايل الإنكار، والتأكيد هنا مصروف إلى ظنهم أن خداعهم مؤثر ونافع لهم، وقوله (يُخَادِعُونَ) على حذف مضاف تقديره: يخادعون رسل الله ويخادعون أولياء الله، فإن أريد فالتشريف من جهة واحدة وهو التعبير باسم الله عن اسم رسول الله، وإن أريد الثاني فالتشريف من جهتين، لأنه تشريف لأولياء الله والتشريف لأوليائه تشريف لرسوله من باب أحرى.

ابن عرفة: والمنافقون إن كانوا معلومين للمؤمنين كانت الآية تقبيحا لفعلهم وتحذيرا منه، وإن كانوا مجهولين فهي تقبيح لفعلهم فقط، ابن عطية: ومخادعتهم لأولياء الله فيظنونهم غير أولياء، أو لَا يقصد أحد من البشر مخادعة الله تعالى، فرده ابن عرفة: بما روى مسلم في صحيحه في كتاب ذكر المنافقين عن مجاهد عن ابن عمر عن ابن مسعود، قال " [اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ اللهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ وَقَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ، إِنْ جَهَرْنَا، وَلَا يَسْمَعُ، إِنْ أَخْفَيْنَا وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ، إِذَا جَهَرْنَا، فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا"، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} *] الآية. قال ابن عرفة: وجرى بين شيخنا الفقيه أبي عبد الله محمد بن سليمان بن علي، وابن الصباغ في القضية اختلاف: هل المنافقون مخاطبون بفروع الشريعة أو لَا؟ ووقع بينهما في ذلك تنازع كثير منهم السلطان ابن الحسن، والتحقيق أن الخلاف في خطاب الكفار بالفروع إن كان باعتبار الباطن كما يقول الأصوليون من أنه راجع إلى تضعيف العذاب في الآخرة ففيه نظر، قلت: لَا نظر فيه لقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ).

قوله تعالى: (يُرَاءُونَ النَّاسَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>