للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مطلقة في السؤال عن ذاته وعن أحواله تصدق بصورة من صور ذلك.

وقال بعض الشّيوخ: ومن ظنّي أن كلام سيبويه موافق لما قال ابن عرفة.

قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ... }

قال ابن عرفة: إن قلت ما الفرق بين هذا وبين ما تقدم في قوله تعالى: {ياأيها الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ} وهل هو تكرار أم لا؟ قلنا: ليس

بتكرار وتلك إرشاد للنظر في دليل الوحدانية والإيمان، وبعد (تقرر) (الإيمان) ذلك جاءت هذه توبيخا لمن نظر في الدليل ولم يعمل بمقتضاه.

ابن عرفة: وفي قوله: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً} دليل على أن الموت أمر عدمي، فإنه أخبر أنهم كانوا متّصفين بالموت حالة كونهم عدما صرفا، والوجود لا يجامع العدم على المشهور، وإنما يجامع وجودا مثله.

قال ابن عرفة: وأتى في الدليل بأمرين: أحدهما (مروي) مشاهد، وهو وجودهم بعد عدمهم، وموتهم بعد ذلك ثم عطف عليه أمرا آخر نظريا لا يعلم إلا من جهة الرسل وهو حياتهم بعد ذلك، ورجوعهم إلى الله، والعطف يقتضي التسوية فهو إشارة إلى أن ذلك الأمر النظري اعتقدوه حقا كأنه ضروري (فليكن) (عندهم) مساويا للضرورة. ونظيره العطف في قوله تعالى {وَيَقُولُونَ ياويلتنا مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} (قالوا: أفاد عطف الكبيرة التسوية في الإحصاء بينها وبين الصغيرة فالمراد أنه لا يدع شيئاً إلا أحصاه).

قال الزمخشري: فإن قلت: لم عطف «فَأَحْيَاكُمْ» بالفاء {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} بثم؟

فأجاب بأن الإحياء الأول غير متراخ عن الموت، ولذلك كان الإحياء الثاني متراخ عن الموت ورده ابن عرفة: بأنّه إن أراد أول أزمنة الموت فالإحياء الأول متراخ عنه فهلا عطف بثم؟ (وإن) أراد آخر أزمنة الموت فالإحياء الثاني (عقيبه) من غير تراخ بوجه.

قيل له: الإحياء الأول ليس بينه وبين الموت الذي قبله فاصل بوجه، وبينه وبين الموت الذي بعده فواصل، وهي التكاليف التي أمرنا الشرع بها. فلما كانت معتبرة شرعا جعل زمن الحياة (ممتدّا) متراخيا، فعطف عليه الموت بثم.

قال ابن عرفة: هذا (يعكر) عليكم في قوله تعالى: {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} لأنه ليس بينه وبين الموت الذي قبله أيضا فاصل. قال: وإن كان (يظهر) لنا الجواب عن ذلك السؤال بأن الموت الأول لسنا نشاهده، ولا (نحن) نعلمه إلا من جهة الخبر والعلم به إن تطاول زمانه يأتينا دفعة واحدة يجعل (كأنه شيء واحد والحياة الدنيا مشاهدة لنا ضرورية وزمانها لا نعلمه دفعة واحدة)

<<  <  ج: ص:  >  >>