للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهم من التعديل والتجريح، والتضعيف والتصحيح، من السعي المشكور والعط المبرور؛ ما كان من أسباب حفظ الدين وصيانته عن إحداث المفترين، وهم في ذلك على درجات: منهم المقتصر على مجرد النقل والرواية، ومنهم أهل المعرفة الحديث والدراية، ومنهم أهل الفقه فيه والمعرفة بمعانيه" (١).

وأعلى هذه الدرجات كما لا يخفى، وأقدرهم في الحكم على الأحاديث الدرجة الثالثة.

ثانيها: ما قرَّره الأئمة في مصنفاتهم: أن الضعيف إذا تعدَّدت طرقه يصير حسنًا.

قال شيخ الإسلام: "وذلك أن الحديث إنما يخاف فيه من شيئين: إما تعمُّد الكذب، وإما خطأ الراوي، فإذا كان من وجهين لم يأخذه أحدهما في الفقه عن الآخر، وليس مما جرت العادة بأن يتفق تساوي الكذب فيه؛ عُلِمَ أنه ليس بكذب، لا سيما إذا كان الرواة ليسوا من أهل الكذب.

وأما الخطأ؛ فإنه مع التعدد يضعف؛ ولهذا كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنها - يطلبان مع المحدث الواحد من يوافقه خشية الغلط، ولهذا قال تعالى في المرأتين: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢]. هذا لو كانا عن صاحب واحد، فكيف وهذا قد رواه عن صاحب وذلك عن آخر وفي لفظ أحدهما زيادة على لفظ الآخر؟ فهذا كله ونحوه مما يبين أن الحديث في الأصل معروف".

وفي مسائل إسحاق بن منصور للإمام أحمد: "قُلْت: متى يتركُ حديث الرجلِ؟ قَالَ: إذا كان الغالب عليه الخطأ. قُلْتُ: الكذب من قليلٍ أو كثير؟ قَالَ: نعم" (٢).

وقال ابن الصلاح: "فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئًا من


(١) انظر "مجموع الفتاوى" (١/ ١٠).
(٢) انظر "مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه" (٢/ ٥٦٢).

<<  <   >  >>