للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما حكم هذا البيع من حيث الصحة والفساد فقد قال ابن قدامة: لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام. أحدها: أن يشتريها بشرط التبقية فلا يصح البيع إجماعاً، لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها والنهى يقتضي فساد المنهي عنه. الثاني: أن يبيعها بشرط القطع في الحال، فيصح بالإِجماع، لأن المنع إنما كان خوفاً من تلف الثمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها. والثالث: أن يبيعها مطلقاً ولم يشترطا قطعاً ولا تبقية فالبيع باطل عند الحنابلة وبه قال مالك والشافعي، وأجازه أبو حنيفة، لأن إطلاق العقد يقتضي القطع، فهو كما لو اشترطه. اهـ. والمراد ببيع الثمار قبل بدو صلاحها الذي تجري فيه هذه الأحكام هو بيعها لغير مالك الأصل، أما بيعها مع الأصل فإنه يجوز في جميع الأحوال إجماعاً. فإن اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها: بشرط القطع، ثم أبقاها حتى بدا صلاحها فالبيع صحيح عند أكثر الفقهاء، وهو رواية عن أحمد. ثانياًًً: استدل ابن شهاب الزهري بهذا الحديث على أنه إذا باع البائع الثمرة منفردة عن الأصل قبل أن يبدو صلاحها، فأصابتها جائحة يعني عاهة (١) فأهلكتها كانت في ضمان البائع، فعليه أن يعوّض المشتري عما تلف من الثمرة، وفي هذا يقول الزهري كما رواه عنه البخاري: " ولو أن رجلاً ابتاع تمراً قبل أن يبدو صلاحه ثم أصابته عاهة كان ما أصابه على ربه " أي كان ذلك التلف محسوباً على مالك الثمرة " وهو البائع، والظاهر أن هذا هو مذهب البخاري. أمّا مذهب الفقهاء في هذه المسألة فقد قال ابن قدامة: " ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع " وبهذا قال أكثر أهل المدينة، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك وأبو عبيد وجماعة من أهل الحديث. وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: هو من ضمان المشتري لما روي أنّ امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت:


(١) أي من ضمانه مطلقاً، سواء كان المبيع قبل نضوج الثمرة أو بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>