للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدِي، وإِنِّي أصْنَعُ هَذِه التَّصَاوِيرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا أحَدِّثُكَ إلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيها الرُّوحَ، وليْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أبَداً " فَرَبا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، واصْفَرَّ وَجهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أبيْتَ إلَّا أن تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كلِّ شَيءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ.

ــ

كسبها، وأنفق على عيالي منها، فهل يجوز ذلك؟ فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنني لا أريد أن أجيبك على سؤالك هذا إلاّ بحديث سمعته بنفسي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: " من صوّر صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ في الروح، وليس بنافخ " أي من رسم هذه الصور الحيوانية لذوات الأرواح، فإن الله تعالى سيعذبه يوم القيامة عذاباً شديداً طويلاً حتى ينفخ فيها الروح، وهذا أمر لا يقدر عليه، ولا يتمكن منه، فيطول عذابه إذن، " فربا الرجل ربوة شديدة واصفر " أي فلما سمع الرجل هذا الوعيد الشديد الذي يترتب على تصوير الصور الحيوانية فزع فزعاً شديداً حتى اصفرّ لونه من شدة الخوف: " فقال: ويحك إن أبيت إلاّ أن تصنع فعليك هذا الشجر " أي فلما رأى ابن عباس ما أصاب هذا الرجل من الفزع والخوف الشديد من هذا الوعيد، وأدرك الحرج الذي وقع فيه، وأن الرجل بين أمرين أحلاهما مر، أشفق عليه، ورثا لحاله، وعبر عن ذلك بقوله: " ويحك " فهي كلمة ترحم وعطف وإشفاق، ثم أشار عليه بعمل من جنس مهنته لا إثم فيه، فقال: إذا كنت لا بد لك من التصوير، ولا غنى لك عنه، لأنه مهنتك التي لا غنى لك عنها في حياتك، وصنعتك التي لا بد لك منها، ولا تعرف غيرها، وتجارتك التي تتعيش منها، فإن في إمكانك أن ترسم الصور النباتية والطبيعية كالأشجار والأزهار والجبال والأنهار، وتتكسسب منها، ولا يكون عليك في

<<  <  ج: ص:  >  >>