للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

-هذا- لما فيه للمتبايعين من مصلحة ظاهرة، ولكنه ضبطه بشروط معينة فقال - صلى الله عليه وسلم -: " من أسلف في شيء " أي من اشترى شيئاً من تمر أو بُرّ أو شعير مؤجلاً إلى عام أو عامين بثمن حاضر مقبوض في مجلس العقد، " فيسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم "، أي فليكن الشيء الذي اشتراه شيئاً معيناً، معلوم المقدار، محدود الكمية كيلاً ووزناً، مضبوطاً بأجل معلوم، ومدة معينة معروفة محددة كسنة أو سنتين مثلاً، لا بأجل مجهول المدة غير محدد الزمن.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: جواز بيع السلم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر أهل المدينة عليه، وضبطه لهم بشروط معينة، وهو ما ترجم له البخاري. ثانياًً: أنه يشترط في صحة السلم شروطاً لا بد منها:

الأول: أن يكون المبيع محدود الكمية، معلوم المقدار كيلاً أو وزناً أو ذرعاً أو عدداً، فلا يصح السلم في مجهول القدر، لما فيه من الغرر والضرر، وفتح باب النزاع والشقاق. الثاني: أن يكون المبيع مؤجلاً أجلاً معلوماً مؤقتاً بفترة معينة وزمن محدود لا يختلف، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " إلى أجل معلوم " فإذا كان مما يختلف كالجذاذ والحصاد، فلا يجوز، وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة، وقال أحمد في رواية: أرجو أن لا يكون به بأس، وهو مذهب مالك وأبي ثور. قال ابن قدامة: (١) ولنا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تبايعوا إلاّ إِلى شهر معلوم، واستدل المالكية بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى يهودي أن ابعث إليَّ بثوبين إلى الميسرة " ولكن قال أحمد: رواه (حربي) بن عمارة وفيه (غفلة) وهو صدوق. الثالث: أن يقبض الثمن فوراً في مجلس العقد لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " فليسلف " والإِسلاف تسليم الثمن مقدماً، وإعطاءه حالاً في مجلس العقد، فإن تفرقا قبل قبض الثمن فالعقد باطل عند


(١) " المغني " ج ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>