للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدين الذي عليه عند حلول الأجل إذا كان قادراً على الدفع في حينه، فإذا تأخر عن التسديد مع قدرته عليه كان ظالماً للدائن، متعدياً عليه، مستحقاً للعقوبة في الدنيا بالسجن (١) ونحوه، وفي الآخرة بعقوبة الله التي تنال الظالمين من أمثاله، سواء توفر لديه المال بالفعل، أو استطاع الحصول عليه من تجارة أو صناعة أو نحوها. وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مطل الغني ظلم " فإن المطل في اللغة المدافعة، والمراد به هنا: تأخير ما وجب أداؤه لغير عذر من قادر على الأداء، قال الصنعاني: والمعنى على تقدير أنه من إضافة المصدر إلى الفاعل أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه، بخلاف العاجز. اهـ.

فإذا جاء الدائن لاستلام حقه فأحاله المدين على شخص غني فعليه أن يقبل هذه الإحالة لما في ذلك من مصلحة الطرفين، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فإذا اتبع على مليء " أي إذا أحيل الدائن على شخص غني قادر على الدفع " فليتبع " أي فليقبل الحوالة لما فيه من السماحة وحسن المعاملة.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه يحرم تأخير تسديد الدين عند حلول أجله على من كان قادراً عليه، بأن كان المال المطلوب موجوداً لديه بالفعل، أو كان قادراً على تحصيله من جهة ما وذلك إذا طلبه الدائن بلفظ صريح أو إشارة أو تلميح أو قرينة ظاهرة، فلا يحرم التأخير إلّا بهذين الشرطين: القدرة على الدفع ومطالبة الدائن بالسداد فإذا تأخر في هذه الحالة، جاز الحجر عليه وبيع أملاكه لتسديد دينه. ثانياًًً: مشروعية الحوالة بمعناها الشرعي الصحيح، وأن على الدائن إذا أحاله المدين على شخص غني يسهل عليه أخذ حقه (٢) منه أن يقبل هذه الحوالة، ولا يعارض فيها، وأنه


(١) وأجاز الجمهور الحجر عليه، وبيع الحاكم عنه ماله، وفي الحديث دليل على أنه يفسق بذلك، ولو كان الدين يسيراً، وهو مذهب المالكية والشافعية، وقال الجمهور: يفسق بمطل عشرة دراهم. اهـ. كما أفاده في " سبل السلام ".
(٢) " تيسير العلام " ج ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>