للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بأمِّهِ، فَقَالَ لي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " يَا أَبَا ذَرٍ أعَيَّرْتَهُ بأمِّهِ!! إِنَّكَ امْرؤ فِيْكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أْيدِيْكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأكلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، ولا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبْهُم فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأعينُوهُمْ ".

ــ

حاجته، وخالفه في ذلك جمهور الصحابة. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢٨١) حديثاً اتفقا منها على اثني عشر وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بسبعة عشر، توفي بالربذة سنة (٣١) هـ.

معنى الحديث: يقول أبو ذر رضي الله عنه " ساببت رجلاً " أي تخاصمت مع رجل " وهو بلال رضي الله عنه، وشتمته " فعيرته بأمه " أي فعبت أمه ووصفتها بالسواد، حيث قلت له: يا ابن السوداء، وخالفت بذلك شريعة الإسلام، التي لا تفرق بين لون ولون، ولا تفضل إنساناً على آخر إلّا بالتقوى كما قال تعالى: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) وكما قال - صلى الله عليه وسلم - " لا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى " " فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعيرته بأمه " وهذا استفهام إنكاري (١) تعجبي، أي كيف تعيبه بسواد أمّه، وتستنقصه بذلك، وأنت تعلم أن الإِسلام لا يميز بين الناس بالألوان، وإنما يفاضل بينهم بالتقوى والعمل الصالح " إنك امرؤ فيك جاهلية " أي إن ما فعلته معه من تعيير بسواد أمّه نعرة جاهلية، وأثر من آثار التمييز العنصري الذي كان موجوداً قبل الإِسلام. " إخوانكم خولكم " (٢) أي إن هؤلاء الخدم ليسوا في الحقيقة سوى إخوانكم في الدين أو الإِنسانية سخرهم الله لكم


(١) والمقصود من هذا الاستفهام الإنكاري تقبيح تَعْيير المسلم بأمه أو أخته أو أحد أقاربه، سيما النساء، فالتعيير من حيث هو قبيح، فإذا كان بالنساء، كان أقبح اهـ.
(٢) وهي جملة اسمية مكوّنة من خبر مقدم - وهو إخوانكم - ومبتدأ مؤخر - وهو خولكم - وأصل الجملة خولكم إخوانكم فقدم الخبر لإفادة الحصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>