للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل يهود خيبر بشطر ما يخرج من الثمر، وهذا هو عين المساقاة، وهو مذهب الجمهور. قال ابن قدامة: وهذا (١) -الأمر- عمل به الخلفاء الراشدون في مدة خلافتهم، واشتهر ذلك فلم ينكره منكر، فكان إجماعاً، وقال أبو حنيفة: لا تجوز المساقاة، لأنها إجارة بثمرة مجهولة، والحديث حجة عليه ولا اجتهاد مع النص. ثانياًً: استدل البخاري بهذا الحديث على مشروعية المزارعة مطلقاً، سواء كانت الأرض المزروعة بين النخيل والأشجار، أو كانت أرضاً بيضاء يعني: سواء كانت تبعاً للمساقاة، أو كانت وحدها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر كما في حديث الباب، وهو مذهب الإِمام أحمد وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، قال البخاري: قال أبو جعفر: ما بالمدينة أهل بيت إلاّ ويزرعون على الثلث والربع، وزارع علي، وسعد، وابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة، وابن سيرين، وممن رأى ذلك سعيد بن المسيب، وطاووس، والزهري، وابن أبي ليلى. اهـ. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: لا تجوز المزارعة في الأرض البيضاء (٢) واستدلوا بحديث ابن عمر أنه قال: " ما كنا نرى بالمزارعة بأساً حتى سمعنا رافع بن خديج يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها "، وبحديث رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من كانت له أرض فليزرعها، أو فليزرعها أخاه ولا يكرها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمّى ". أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة. وأجاب القائلون بجواز المزارعة بأجوبة: منها كما قال ابن قدامة: أن أحاديث رافع مضطربة جداً، مختلفة اختلافاً كثيراً يوجب ترك العمل بها لو انفردت، فكيف تقدم على مثل حديثنا، أي على حديث الباب. قال الإِمام أحمد: حديث رافع


(١) " المغني " لابن قدامة ج ٥.
(٢) أمّا المزارعة على ما بين النخيل والشجر تبعاً للمساقاة فقد أجازها مالك والشافعي إذا كانت أقل ومنعها أبو حنيفة مطلقاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>