للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محسن" أي فسمع - صلى الله عليه وسلم - قراءة كل منهما فقال: " كلاكما محسن " أي مصيب في قراءته " لا تختلفوا " أي لا تتنازعوا وتتخاصموا في مثل هذه الأمور التي لها أصل شرعي، لأنها جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأوجه مختلفة كلها صحيحة كالأحرف السبعة فإنها ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا "، يعني فإن بني اسرائيل لما اختلفوا كان اختلافهم سبب هلاكهم.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: التحذير عن الخصومة في الأمور التي لها أصل شرعي من الكتاب والسنة كالأحرف السبعة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو الاختلافات الفقهية، فإن المسلمين قد اختلفوا في الأحكام التشريعية منذ عهد الصحابة والتابعين، وتغايرت فتاوى الصحابة فيها، ولا ينبغي النزاع والخصومة فيها، فإن هؤلاء المجتهدين جميعاً على هدى من الله، ويؤجرون على كل حال، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد. ثانياًً: أن اختلاف أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان، وكذلك اختلاف فقهاء الإِسلام، والأئمة الأعلام في المسائل الفقهية والأحكام الشرعية لا يدخل ضمن الاختلاف المذموم شرعاً (١) فقد قال الإِمام ابن قدامة في أول كتابه " المغني " وهو يتحدث عن أئمة المذاهب الإِسلامية: إن الله مَهَّد بهم قواعد الإِسلام، وأوضح بهم مشكلات الأحكام، اتفاقهم حجةٌ قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، تحيا القلوب بأخبارهم، وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم، ثم اختصّ منهم نفراً أعلى قدرهم ومناصبهم، وأبقى ذكرهم ومذاهبهم، فعلى أقوالهم مدار الأحكام، وبمذاهبهم يعتني فقهاء الإِسلام. اهـ. وقال في " شرح الطحاوية " فإذا وُجِدَ لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له في تركه من عذر، وجماع الأعذار ثلاثة أصناف. أحدها: عدم اعتقاده أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله:


(١) وإنما هو اختلاف محمود يدخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: كلاكما محسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>