للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: " اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ (١) بَيْنَهُمْ ".

ــ

أهل دماء اقتتلوا" أي وقعت بينهم خصومة شديدة أدّت إلى الاشتباك بالأيدي والضرب بالحجارة، حتى ترامت أخبارهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة " فقال: اذهوا بنا نصلح بينهم " أي فخرج إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في جماعة من أصحابه، وروي في سبب ذلك أن امرأة من الأنصار يقال لها " أم زيد " كان بينها وبين زوجها شيء فحبسنها في عُلِّيَّةِ بيته، فبلغ ذلك قومها، فجاءوا وجاء قومه، واقتتلوا بالأيدي والنِّعال، فأنزل الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا). الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي بألفاظ مختلفة.

فقه الحديث: دل هذا الحديث. على مشروعية خروج الإمام عند حدوث النزاع والخصام، وتفاقم الأمر، للإصلاح بين الطرفين المتنازعين، وهو مصداق قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) قال قتادة: نزلت في رجلين من الأنصار، كانت بينهما مدارأة -أي خصومة- في حق بينهما، فقال أحدهما: لآخذن حقي عنوة لكثرة عشيرته، ودعاه الآخر أن يحاكمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأبى أن يتبعه، فلم يزل الأمر بينهما حتى تواقعا وتناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنِّعال والسيوف (٢)، فنزلت هذه الآية. قال أهل العلم: لا يخلو الأمر إما أن يقع البغي منهما جميعاً فالواجب حينئذ السعي بينهما بما يصلح ذات البين، ويؤدي إلى المكافّة والموادعة، فإن لم يصطلحا قوتلا، وإما أن يقع البغي من إحداهما، فالواجب أن تقاتل فئة البغي حتى تكف وتتوب، فإن التحم القتال بينهما


(١) يجوز فيه الجزم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع على تقدير نحن نصلح كما أفاده العيني.
(٢) " تفسير القرطبي " ج ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>