للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٣١ - عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " لَا تُطرونِي كما أطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أرنا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ".

ــ

٩٣١ - معنى الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرصاً منه على توحيد الله تعالى، وخوفاً على أمته من الشرك الذي وقعت فيه الأم السابقة، حذَّرها عن الغلو فيه، ومجاوزة الحد في مدحه بنسبة أوصاف الله تعالى وأفعاله الخاصة به إليه. كما غلت النصارى في المسيح بوصفه بالألوهية والبنوة لله تعالى، فوقعت في الشرك كما قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ). " فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله " أي فصفوني بالعبودية والرسالة كما وصفني الله تعالى بذلك، ولا تتجاوزوا بي حدود العبودية إلى مقام الألوهية أو الربوبية كما فعلت النصارى، فإن حق الأنبياء العبودية والرسالة، أما الألوهية فإنها حق الله وحده.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: التحذير من الغلو والإِسراف في المدح، ومجاوزة الحد، والمدح بالباطل، لأن ذلك قد يفضي إلى الشرك، وإنزال العبد منزلة الرب، ووصفه بصفاته، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ". ثانياًً: أن كفر النصارى إنما كان بسبب غلوهم في المسيح والقديسين والقديسات من بعده، وقولهم في عيسى إنه ابن الله، حتى أدى بهم ذلك إلى تحريف الكتب المقدسة، لكي يستدلوا بها على صحة مزاعمهم الباطلة، حتى إن بعضهم تجرأ فاستدل بآية من القرآن الكريم على فهمه السقيم، فقد روي أن عظيماً من النصارى ناظر علي بن الحسين بن واقد المروزي في مجلس الرشيد ذات يوم فقال له: إن في كتابكم ما يدل على

<<  <  ج: ص:  >  >>