للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوباً أو ذَنُوبَيْنِ، وَفِى بَعْض نَزْعِهِ ضَعْفٌ، واللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثم أخَذَهَا عُمَرُ، فاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْباً، فلم أر عَبْقَرِيَّاً في النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حتى ضَرَبَ النَّاسُ بعَطنِ".

ــ

" مجتمعين في صعيد واحد " أي في أرض واسعة " فقام أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين " أي فلما اجتمعوا واحتاجوا إلى الماء، قام أبو بكر ليخرجه لهم، فأخرج دلواً أو دلوين، وفي رواية: " رأيتني على قليب " أي على بئر، فنزعت منها ما شاء الله إذ جاء أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو ليريحني، فنزع ذنوباً أو ذنوبين، الخ الحديث " وفي نزعه ضعف " يعني فكان الماء الذي أخرجه الصديق قليلاً، وهو إشارة إلى قصر مدته وعدم تفرغه لفتح الأمصار بسبب اشتغاله بقتال أهل الردة " يغفر الله له " وليس معناه أن الصديق ارتكب ذنباً، ولكنها كلمة شائعة في استعمالات العرب يرون (١) في بعض الكلام لزومها، ولا يرون ملزومها، ويأتون بها إجلالاً للمخاطب، وإكراماً لحرمته، كقولك: عفا الله عنك ما صنعت في أمري، ومنه قوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) قال: " ثم أخذها عمر فاستحالت بيده غرباً " أي ثم أخذ عمر ذلك الدلو فانقلبت في يده دلواً عظيمة وفي هذا إشارة إلى طول مدة خلافته، وكثرة فتوحاته، لأن الذنوب التي استحالت غرباً هي كناية عن خلافته كما أفاده العيني " فلم أر عبقرياً في الناس يفري فريه " قال العيني: العبقري الحاذق (٢) في عمله، وهذا عبقري في قومه أي سيدهم والمعنى: فلم أر في الناس سيداً عظيماً، ورجلاً قوياً وإنساناً حاذقاً يعمل عمله " حتى ضرب الناس بعطن " بفتح العين والطاء وهو مبرك الإِبل حول الماء، أي ما زال يخرج للناس الماء حتى


(١) " هداية الباري " للطهطاوى ج ١.
(٢) شرح العيني ج ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>