للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" أمَّا بَعْدُ أيّهَا النَّاسُ فَإِنَّ النَّاسَ يَكثُرُونَ وَتَقِلُّ الأنْصَارُ حتى يكونُوا كالْمِلْح في الطَّعَامِ، فمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أمراً يَضُرُّ فِيهِ أحداً أو يَنْفَعُهُ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئهِمْ ".

ــ

سوداء، فصعد المنبر، وخطب في الناس يوصيهم بالأنصار خيراً، فقال: " أما بعد: أيها الناس، فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار " لأنه يقتل منهم الكثير في الفتوحات الإسلامية وحروب الردة، والمعارك الدامية التي تقع بين المسلمين أنفسهم كمعركة الحرّة " حتى يكونوا كالملح في الطعام " أي حتى يكونوا في قلتهم كالملح القليل في الطعام الكثير، فإن الملح في الطعام يكون عادة قليلاً جداً ولذلك ضرب به المثل في قلته، كما ضرب به المثل أيضاً في إصلاحه لغيره قال الشاعر:

يَا مَعْشَر القُّرّاءِ يَا مِلْحَ البَلَدْ ... هَلْ يَصْلُحُ الأكْلُ إذَا المِلْحُ فَسَدْ

" فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه " أي من ولي منكم ولاية أصبحت له فيها سلطة تنفيذية من إمارة أو شرطة أو غيرها، وصار في استطاعته معاقبة المسيء، ومكافأة المحسن " فيقل من محسنهم " أي فليعاملهم بالحسنى، فيكافىء محسنهم، ويعفو عن مسيئهم.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى ولاة الأمور بالأنصار أن يبالغوا في حسن معاملتهم بمكافأة محسنهم، والعفو عن مسيئهم، والتجاوز عنهم، وعدم مؤاخذتهم على زلّاتهم ما عدا الحدود الشرعية (١) فليس لولاة الأمور التجاوز عنها، وإنما خص ولاة الأمور بهذا الخطاب لأنهم أقدر من غيرهم في إيصال الخير إليهم، ودفع الشر عنهم، وإن كان غيرهم لا يخرج عن ذلك، فإنّ على كل مسلم أن يعامل الأنصار وأبناء


(١) " هداية الباري في ترتيب صحيح البخاري " ج ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>