للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رائحة العليل إلى الصحيح فتسقمه، وهذا معاين في بعض الأمراض، فلا بد -في العدوى- من وجود استعداد البدن، وقبوله لذلك الداء، وإيضاح ذلك علمياً أن الله أودع في دم الإِنسان ما يسمى بالكرويات البيضاء - وهي على الحقيقة عديمة اللون، وجعل وظيفتها حماية الجسم من الميكروبات، ومحاربة أي ميكروب مرضي يحاول الدخول إلى الجسم البشري، فإذا وقعت الحرب بين الطرفين، وانتصرت الكرويات على الميكروب بمشيئة الله وإرادته لم تحدث العدوى وإن انتصر الميكروب عليها بإذن الله حدثت العدوى. والفاعل في كلتا الحالتين هو الله تعالى. قال في " فتح المجيد ": وأحسن ما قيل فيه قول البيهقي وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم: أن قوله: " لا عدوى " على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وأن هذه الأمور تعدي بطعها وإلّا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سبباً لحدوث ذلك، ولهذا قال: " فر من المجذوم فرارك من الأسد " وقال: " لا يورد ممرض على مصح " وقال في الطاعون: " من سمع في أرض فلا يقدم عليه " وكل ذلك بتقدير الله. ثالثاً: مشروعية الطب الوقائي، واتخاذ أسباب السلامة من الجراثيم والميكروبات، والمحافظة على الصحة العامة، قال في " فتح المجيد " والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء، أو في النار مما جرت العادة أنه يهلك أو يضر، فكذلك اجتناب مقاربة المريض، والقدوم على بلد الطاعون فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله سبحانه هو خالق الأسباب ومسبباتها، لا خالق غيره، ولا مقدر غيره رابعاً: دل هذا الحديث على تحريم التشاؤم بجميع أنواعه وصوره، سواء كان تشاؤماً من المرئيات والمسموعات، كأن يرى الطير متوجهاً شمالاً، فيتشاءم من العمل الذي أقدم عليه، أو يسمع كلمة كريهة، فيترك الشيء الذي كان يريده، وهو التطير أو التشاؤم من مشاهدة بعض الطيور، ونزولها على بيته فيعتقد أنها نذير موته، أو موت أحد أقاربه، أو يتشاءم

<<  <  ج: ص:  >  >>