للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - والآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى في ذُنُوبِهِ كأنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَل يَخَافُ أنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أنْفِهِ، فَقَال بِهِ هَكَذا، ثُمَّ قَالَ: " للهُ أفْرَحُ بتوبةِ عَبْدِهِ منْ رَجُل نَزَلَ مَنْزِلاً وَبِهِ مَهلكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلتهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلتهُ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الحَرُّ وَالْعَطَشُ أوْ مَا شَاءَ اللهُ قَالَ: أرْجِعُ إلى مَكَاني، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَإذَا رَاحِلتُهُ عِنْدَهُ ".

ــ

هو من كلام ابن مسعود رضي الله عنه وموقوف عليه قال فيه: " إن المؤمن يرى في ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه " أي إن المؤمن الكامل يستعظم ذنوبه، ويستكبرها، ويخاف منها خوفاً شديداً، ولو كانت من الصغائر، فإذا وقع في شيء منها تملكه الرعب، كأنه تحت جبل عظيم يوشك أن يقع عليه. " وإن الفاجر " أي الفاسق المستهتر " يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا " أي يستهين بالمعاصي مهما عظمت، حتى أنه يرى كبائر الذنوب سهلة يسيرة كأنها ذباب مرّ على أنفه فلا يعبأ به أو يكترث له. ثانيهما: حديث مرفوع رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه " قال: لله أفرح بتوبة عبده " واللام للتوكيد، كأنه - صلى الله عليه وسلم - يقول: أؤكد لكم أن الله أشد فرحاً بتوبة عبده إذا تاب إليه " من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة " أي نزل محطة في فلاة من الأرض، لا ماء فيها، ولا أحد يسكنها " ومعه راحلته " أي دابته التي يركب عليها، " عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه، فنام نومة " يسيرة قصيرة " فاستيقظ وقد ذهبت راحلته " أي ذهبت عنه دابته، وتركته في تلك المفازة المهلكة، والأرض القاحلة دون طعام ولا ماء، بمعنى أنه وجد نفسه عندما انتبه من النوم قد فقد دابته، وبقي فريداً وحيداً، منقطعاً لا زاد معه ولا ماء "حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>