للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقة بمحض حريته واختياره، وتصرفات الإِنسان الشخصية الواقعة في إطار التكليف والمسؤولية كلها اختيارية دون أن يتعارض ذلك مع القدر في شيء، لأن علم الله لا تأثير له في سلب حرية الإنسان واختياره، فإن لله مشيئته وللإِنسان مشيئته، ولا تعارض بين المشيئتين كما قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) ولهذا قال الخطابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه العبد على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمون، وإنما معناه الإِخبار عن تقدم علم الله سبحانه بما سيكون من اكتسابات العبد وخلقه لها خيرها وشرها. وعلم الله سبحانه بما سيقع لا تأثير له في إرادة العبد، فإن العلم صفة انكشاف لا صفة تأثير. ثانياً: دل قوله - صلى الله عليه وسلم -: " كل يعمل لما خلق له " على أنه ينبغي للعبد الإكثار من الطاعات والاجتهاد في الأعمال الصالحة، فإن ذلك دليل السعادة، لأن عمل الإِنسان علامة على ما يؤول إليه أمره غالباً. قال ابن القيم: اتفقت هذه الأحاديث على أن القدر لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد، ولذلك لما جمع بعض الصحابة قوله: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " قال: ما كنت أشد اجتهاداً مني الآن، وذلك لأن العبد ينال ما قدر له بالسبب الذي أُقدِرَ عليه، ومُكِّن منه، وهُيىء له، فإذا أَتى بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبق له في أم الكتاب، وكلما ازداد اجتهاداً في تحصيل السبب كان حصول المقدور أدنى إليه، فمن عطل العمل اتكالاً على القدر فهو بمنزلة من عطّل الأكل والشرب والحركة في المعاش وسائر أسبابه اتكالاً على ما قدر له. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي. والمطابقة: في كون الحديث يدل على إثبات القدر، وعلم الله بأعمال العباد قبل وقوعها، وهو ما ترجم له البخاري.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>