للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

" كِتاب الفتن "

الفتن لغة: جمع فتنة من الفتن، وهو في الأصل كما قال الراغب: إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته. ثم أطلقت الفتنة على اختبار الله تعالى لعبده بالخير والشر فالأول: محنة مقتضية للصبر، والثاني محنة مقتضية للشكر، وكلاهما فتنة. بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر (١). والمراد بالفتن: هنا ما يبتلى به العبد في حياته من المصائب، فإن كان ذلك من الأمور الخارجة عن مقدوره كالأمراض والأسقام فهي ابتلاء من الله لعبده، واختبار لإيمانه، فإن صبر عليها فله البشرى، وإن جزع فله السخط. قال علي رضي الله عنه: " إن الذهب يجرّب بالنار، وإن العبد الصالح يجرّب بالبلاء ولن تبلغ ما تؤمل إلّا بالصبر على ما تكره " وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار، فمنهم من يخرج كالذهب الإِبريز فذلك الذي نجّاه الله تعالى من السيئات، ومنهم من يخرج كالذهب دون ذلك، فذلك الذي يشك بعض الشك، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي قد أفتتن " رواه الحاكم (٢). وقال ابن القيم (٣): من خلقه الله تعالى للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره، ومن خلقه الله للنار لم تزل هداياها تأتيه من الشهوات، فمن صبر على البلوى ورضي بقضاء الله فهنيئاً له بما بشّر الله عباده الصابرين. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت


(١) تعليقات الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة على " هداية المسترشدين ".
(٢) أخرجه الحاكم في " المستدرك " وقال: هذا صحيح الإسناد، وأقره الذهبي على صحته.
(٣) " كتاب الفوائد " لابن القيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>