للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخَذْتهَا، فانْطَلَقَ رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَه، وَعَلَيْهِ جبَّة شَامِيَّة، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَة مِنْ كُمِّهَا فضَاقَتْ، فأخْرَجَ يَدَة مِنْ أسْفَلِهَا فَصَبَبْت عَلَيْهِ، فَتَوَضَّأ وضوءَة لِلصَّلَاةِ، وَمَسَحَ عَلَى خفَّيْهِ (١) ثمَّ صَلَّى.

ــ

ونحوه " فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توارى عنِّي " أي فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيراً طويلاً وقطع مسافة كبيرة، حتى ابتعد عني واختفى عن عيني، فأصبحتُ لا أراه، " فقضى حاجته " هناك بعيداً عني، " وعليه جبة شامية " أي وكانت عليه جبة منسوجة في بلاد الشام، وهي من تلك الثياب التي يلبسها النصارى، لأنّ بلاد الشام حينذاك كانت تحت حكم الروم، وأهلها من النصارى " فذهب ليخرج يده من كمِّها فضاقت " أي فحاول النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج يده من كُمِّها فلم يستطع ذلك لشدة ضيقه " فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة " أي فتوضأ وضوءه الشرعي الذي يفعله للصلاة.

الحديث: أخرجه الشيخان وابن ماجة.

ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: جواز الصلاة في ملابس الكفار سواء كانت جبة أو ثوباً أو عباءة أو سروالاً أو سواه ما لم يتحقق من نجاستها، لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى في الجبة الشامية التي كانت في ذلك العصر من لباس النصارى، فدل ذلك على جواز الصلاة في ملابسهم، والمسألة خلافية بين الفقهاء، فروي عن مالك أنه لا يصلى في ثيابهم، وأنه إن صلى فيها أعاد في الوقت، وروي عن أبي حنيفة كراهية الصلاة فيها ما لم تغسل وأجاز غيرهم الصلاة فيها كما أفاده الحافظ. ثانياً: مشروعية التستر عند قضاء الحاجة، والابتعاد عن الناس، وفي الحديث عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) أي اكتفى بمسح خفيه عن غسل رجليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>