للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ".

ــ

الكامل هو من سلم المسلمون من إيذائه لهمٍ، وعدوانه عليهم بأي عضو من أعضائه، سواء كان لساناً أو يداً أو رجلا أو غيرهما، ونجوا من شروره.

وإنّما خُصَّ اللسان واليد لكثرة أخطائهما وأضرارهما، فإنّ معظم الشرور تصدر عنهما، فاللسان يكذب ويغتاب، ويسب ويشتم، ويأتي بالنميمة، وشهادة الزور، واليدُ تضرب وتقتل، وتسرق، إلى غير ذلك، قال القاري: (١) وقدم اللسان لأنّ الإِيذاء به أكثر وأسهل، وأشد نكاية، ويعم الأحياء والأموات جميعاً. وإنما اهتم الإِسلام بكفِّ الأذى عن الناس لتوثيق الروابط الاجتماعية بينهم، وصيانة المجتمع عن كل ما يؤدي إلى التفكك والتقاطع والتدابر. " والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه " أي أن المهاجر الكامل الصادق في هجرته هو من ترك كل ما نهي الله عنه من المعاصي، سواء كانت من الأقوال الكريهة، أو الأفعال الذميمة، لأن هذا هو الهدف الأسمى المقصود من الهجرة، ولهذا قال الحافظ (٢): كأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه.

ويستفاد من الحديث ما يأتي: أولاً: اهتمام الإِسلام البالغ بكف الأذى عن الناس وحسن معاملتهم، حتى أنه حصر الإِسلام الكامل فيه، وحثّ المسلمين عليه، " لأن الدين المعاملة " فالمسلم لا يؤذي أحداً ولو كان كافراً، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية النسائي وابن حبان " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده " وقد أجمعت كل الأديان السماوية على حفظ حقوق الإِنسان وصيانتها، حتى قال - صلى الله عليه وسلم - " من قتل ذميَّاً لم يرح رائحة الجنة " وإنّما خص اللسان بالذكر لما يصدر عنه من الأفعال التي قد يتساهل المرء بها مع شدة خطورتها، ومن


(١) شرح مشكاة المصابيح للقاري.
(٢) فتح الباري.

<<  <  ج: ص:  >  >>