للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٦٣ - عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأنْ يأخُذَ أحدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأتِيَ رَجُلاً فَيَسْألهُ أعْطَاهُ أو مَنَعَهُ ".

ــ

٥٦٣ - معنى الحديث: يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده" أي يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالله الذي روحه بيده على أن العمل مهما يكن نوعه فهو أفضل من سؤال الناس وإراقة ماء الوجه لهم، وأنه مهما يكن شاقّاً عنيفاً فهو أرحم من مذلّة السؤال " لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه " أي لأن يذهب إلى الغابة فيقتطع الحطب من أشجاره، ويجمعه ويحمله على ظهره حتى يأتي السوق فيبيعه فيه، " خير له "، أي أشرف وأكرم وأرحم له من أن يمد يده لغيره، سواء أعطاه أو منعه، فإن منعه فقد كسر نفسه، وإن أعطاه فقد منّ عليه، وقد قال الشاعر:

لَحَمْل الصَخْرِ مِنْ قِمَمِ الجِبَالِ ... أحبُّ إِلَيَّ مِنْ مِنَنِ الرجَالِ

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: الترغيب في السعي والعمل وطرق الأسباب المشروعة لكسب الرزق بشرف وكرامة وعزّة نفسٍ، وليس في الإِسلام مهنة وضيعة إلَّا فيما حرمه الشرع كالمخدرات والقمار، والتسول إلَّا لضرورة. ثانياًًً: محاربة الإِسلام للتسول والبطالة، ولذلك أوجب السعي والعمل، ولو كان شاقاً " كالاحتطاب " مثلاً. ثالثاً: أن الفقير القادر على الكسب لا تحل له الزكاة، لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاه في هذا الحديث إلى العمل، ولقوله تعالى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) وهو مذهب الجمهور وقد نص الشافعية والحنابلة على أنّه لا تجوز الزكاة لقادر على الكسب، وكذلك المالكية، واستثنى الفقهاء من ذلك "القادر على العمل

<<  <  ج: ص:  >  >>