للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قال قائلٌ: هل هذا على عُمُومِهِ، لا يَذِلُّ مَنْ وَالاه الله، ولا يَعِزُّ مَنْ عاداه؟

فالجواب: ليس هذا على عُمُومه، فإنَّ الذُّلَّ قد يعرِضُ لبعض المؤمنين، والعِزُّ قد يعرِضُ لبعض المشركين، ولكنَّه ليس على سبيل الإدالة المطلقة الدَّائمة المستمرَّة، فالذي وقع في أُحُدٍ للنَّبيِّ وأصحابِهِ لا شَكَّ أنَّ فيه عِزًّا للمشركين، ولهذا افتخروا به فقالوا: يومٌ بيومِ بَدْرٍ، والحربُ سِجَالٌ (١)، ولا شَكَّ أنه أصابَ النبيَّ وأصحابَه من الجراح والضَّعف ما لم يسبق مِن قبلُ، ولكن هذا شيءٌ عارضٌ ليس عِزًّا دائماً مطَّرِداً للمشركين، وليس ذُلًّا للمؤمنين على وجه الدَّوام والاستمرار، وهذا فيه مصالح عظيمة كثيرة ذَكَرَها اللهُ تعالى في سورة «آل عمران»، واستوعبَ الكلامَ عليها ابنُ القيم في «زاد المعاد» (٢) في فِقْهِ هذه الغزوة، وذَكَرَ فوائدَ عظيمةً مِن هذا الذي حصَل للنَّبِيِّ وأصحابه.

إذاً؛ فقوله: «لا يذلُّ مَنْ واليتَ ولا يَعِزُّ مَنْ عَاديتَ»، لنا أنْ نقول: هذا ليس على عُمُومه، ويُخصَّص بالأحوال العارضة، ولنا أن نقول: إنه عامٌّ؛ باقٍ على عُمُومه لا يُخصَّص منه شيء، لكنه عامٌّ أُريد به الخُصوص، يعني: أنَّ المراد: لا يَذِلُّ ذُلًّا دائماً، ولا يَعِزُّ عِزًّا دائماً.

تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، ...........

قوله: «تباركت رَبَّنَا» التقدير: تباركتَ يا رَبَّنَا، والبركة: كثرةُ


(١) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة أُحد (٤٠٤٢).
(٢) (٣/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>