للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤيدُ ذلك: أن النبيَّ شكا إليه رَجُلٌ فقال: إنِّي لَأَتأخَّرُ عن صلاةِ الصُّبحِ مِن أجْلِ فُلانٍ، مما يُطيلُ بنا. قال الرَّاوي: فما رأيتُ النَّبيَّ غَضِب في موعظةٍ قَطُّ أشدَّ ما غَضِبَ يومئذٍ. فقال: «يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ منكم منفِّرِين، فأيُّكم أمَّ النَّاسَ فليُوجِزْ، فإنَّ مِنْ ورائِه الكبيرَ والضعيفَ وذا الحاجة» (١) والمراد بالإيجاز ما وافق السُّنَّةَ.

وإذا كان الرسول غضب في هذه الموعظة من أجل الإطالة فكيف نقتصر على السنية في التخفيف.

ولهذا؛ فإنَّ القولَ الذي تؤيُّده الأدلَّة: أنَّ التطويلَ الزائدَ على السُّنَّةِ حرامٌ؛ لأنَّ الرسولَ غَضِبَ لذلك.

وأيضاً: كلامُ المؤلِّفِ يدلُّ على أن الإِتمامَ سُنَّةٌ، وفي هذا شيء مِن النَّظرِ؛ وذلك لأَنَّ الإِمامَ يتصرَّفُ لغيره، والواجبُ على مَن تصرَّفَ لغيره أن يفعلَ ما هو أحسنُ، أمّا مَن تصرَّفَ لنفسهِ فيفعل ما يشاء مما يُباح له.

فمثلاً: لو كان لي كتابٌ قيمتُه عشرة ريالات؛ فبعتُه بثمانية، فإنَّه جائزٌ؛ لأنِّي لو وهبتُه مجَّاناً فهو جائزٌ، لكن لو وكلني شخصٌ في بيعِهِ وكان يساوي عشرة؛ فبعتُه بثمانية فلا يجوزُ، لأنَّ هناكَ فَرْقاً بين مَن يتصرَّفُ لنفسِه وبين مَن يتصرَّفُ لغيرِه، والإِمامُ مؤتَمَنٌ على الصَّلاةِ فكيف نقول: إنَّ للإِمامِ أن ينقص الصَّلاةَ، وأنَّ الإِتمامَ في حَقِّه سُنَّةٌ؟!


(١) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب تخفيف الإمام … (٧٠٢)؛ ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام (٤٦٦) (١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>