للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كانت إلى إحداهما أقرب، فالظاهر أنه يلزمه أن يعرفها في الأقرب ولا يلزمه في البعيد؛ لأن القريب من المكان له حكم ما قرب منه، ولهذا لما حضرت الوفاة من كان قتل مائة نفس وسأل عابداً وقال إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال له: ما لك من توبة، فقتله، ثم سأل عالماً فقال له: لك توبة، من يحول بينك وبين التوبة؟! ولكنه أرشده إلى بلد آخر ليس بلد ظلم، وسافر مهاجراً إلى الله، ونزل به الموت في أثناء الطريق، فأرسل الله إليه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، حكمة من الله ﷿، وإلا فالله ـ تعالى ـ يعلم، فتخاصمت الملائكة، ملائكة الرحمة تقول: نقبض روحه؛ لأنه تاب وخرج وغادر بلده، وملائكة العذاب تقول: نقبض روحه؛ لأنه لم يصل إلى بلد التوبة، فأرسل الله ملكاً يفصل بينهما، وقال: قيسوا فإلى أيهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا فوجدوه إلى القرية التي هاجر إليها أقرب، حتى إنه لما حضره الموت جعل ينوء بصدره وهو في سياق الموت إلى البلد التي كان قد قصدها، وأوحى الله إليها أن تقرَّبي وإلى الأخرى أن تباعدي، فصار أقرب إلى التي قصدها بشبر (١)، فتولت روحه ملائكة الرحمة، فربما يؤخذ من هذا أن البلد الأقرب يعطى الحكم ويمنع البلد الأبعد.

قوله: «ويملكه» أي: الواجد.

قوله: «بعده» أي: بعد تمام الحول.


(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء/ باب (٣٤٧٠)؛ ومسلم في التوبة/ باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (٢٧٦٦) عن أبي سعيد الخدري ﵁.

<<  <  ج: ص:  >  >>