للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقصاص صغيراً وله أب، كما لو قتل رجل، وورثه أبوه وابنه الصغير، فليس للأب أن يستوفي القصاص؛ لأن أحد مستحقيه صغير لم يبلغ، والعلة أن القصاص إنما وجب للتشفي من القاتل، وليذهب الإنسان ما في قلبه من الغيظ على هذا القاتل الذي قتل مورِّثه، وهذا لا يمكن أن يقوم به أحد عن أحد؛ لأن التشفي معنى يقوم بالنفس، فأبو الرجل لا يتشفّى عن ابن ابنه، ولهذا يحبس حتى البلوغ أو الإفاقة، وقال في الروض (١): «ولأن معاوية حبس هدبة بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل (٢)، وكان ذلك في عصر الصحابة ولم ينكر»، فعندنا هنا دليل وتعليل.

واستثنى بعض العلماء من هذه المسألة ما إذا كان القتل غيلة ـ أي: أن يقتله على غِرَّة ـ فإنه يقتل القاتل بكل حال، سواء اختار أولياء المقتول القتل أم الدية، فإنه لا خيار لهم في ذلك، وهذا مذهب الإمام مالك، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وبناءً على هذا القول فإنه لا يحبس الجاني حتى يبلغ أولياء المقتول.

وإنما اختار ذلك مالك وشيخ الإسلام؛ لأن قتل الغيلة فيه مفسدة عظيمة، ولأنه لا يمكن التحرز منه، إلاّ أن يكون مَلِكاً أو أميراً له جنود وحاشية يحرسونه فيمكنه التحرز منه، لكن عامة الناس لا يمكنهم التحرز منه.


(١) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (٧/ ١٩٦).
(٢) قال في الإرواء (٢٢١٨): «لم أره»، والقصة استدل بها الموفق كما في المغني (١١/ ٥٧٧) ت: التركي.

<<  <  ج: ص:  >  >>