للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يكن دليلاً عليكم، لم يكن دليلاً لكم، وكونه دليلاً عليهم أقرب من كونه دليلاً لهم؛ لأن إقرار الرسول أنه يتوب دليل على ثبوت الذنب في حقه، ولو كان ذلك يرفع مقتضى إقراره لارتفع عنه حكم الذنب.

ولهذا لو جاءنا رجل يقر بأنه زنا ويطلب إقامة الحد، ولما هيأنا الآلة لنقيم عليه الحد، وأتينا بالحصى لأجل أن نرجمه، ونظر إلى الحصى، فقال: دعوني أتوب إلى الله؛ ماذا نقول له؟ يجب أن ندعه يتوب إلى الله؛ لأن الرسول قال: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه»، وحينئذٍ ندعه يتوب، فيتوب الله عليه.

أما لو قال: ما زنيت، فلا يقبل؛ لأن هذا الرجل يريد أن يدفع عن نفسه وصفاً ثبت عليه بإقراره، ولو أننا قلنا بقبول رجوع الجاني عن إقراره لما أقيم حدٌّ في الدنيا؛ لأن كل من يعرف أنه سيحد ربما يرجع، إلا أن يشاء الله، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى، فكل إنسان يخشى من العقوبة، وكان في الأول عنده عزم أن يطهر نفسه بالعقوبة، ولكن تأخر، فسيقول: ما حصل منه هذا الشيء، فهناك فرق بين الرجوع عن الإقرار، والرجوع عن طلب إقامة الحد، وهو ظاهر جداً.

وأما قولكم: إنه يقاس على الشهادة فهذا قياس في غاية الضعف؛ لأن الشهود خطؤهم أو عدوانهم ممكن، خطؤهم بحيث يظنون أن هذا الرجل هو الذي زنا وهو غيره، لكنه شبيه به، فيعتقدون اعتقاداً جازماً أن هذا هو الرجل، فيشهدون على ما اعتقدوه، والواقع أنه غيره، وهذا يمكن، لكن هل يمكن للإنسان

<<  <  ج: ص:  >  >>