للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يتصور تطبيقها على النصوص الشرعية تطبيقاً تاماً، والحكم لا بد فيه من تصور القضية، ثم تصور انطباق الأدلة عليها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والحكم على الشيء لا بد فيه من معرفة الموجِب للحكم، والغضبان لا يتصور ذلك، لا القضية ولا انطباق الأحكام عليها، ولذلك نهى النبي أن يقضي بين اثنين وهو غضبان (١).

وأيضاً فإنه إذا كان أحد الخصمين هو الذي أثار غضب القاضي فهنا محذور ثالث، وهو أنه قد يحمله غضبه على هذا الخصم أن يحكم عليه مع أن الحق له.

وقوله: «وهو غضبان كثيراً» يفيد أنه إذا كان الغضب يسيراً في ابتدائه فلا يحرم القضاء، وقد قضى النبي وهو غضبان في قصة الأنصاري مع الزبير بن العوام في المسيل الذي تنازعا فيه عند النبي ؛ إذ كان المسيل يأتي على حائط الزبير قبل حائط الأنصاري، فكان الزبير يسقي منه ويدع البقية لجاره الأنصاري، فاشتكى الأنصاري إلى الرسول ، فترافعا إلى النبي فقال: «اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك».

فقوله: «اسق» أمر مطلق يقتضي أنه يسقي زرعه مجرد سقي، ثم يرسل الماء لجاره، فقال الأنصاري ـ عفا الله عنه ـ: أن كان ابن عمتك يا رسول الله؟! فأخذته العزة بالاثم، والإنسان


(١) سبق تخريجه ص (٢٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>