للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهرُ كلام المؤلِّف: أنه لو أُعطيها هِبَة لم يلزمه قَبولها؛ لقوله: «وإن أُعِيرَ».

وظاهرُ كلامه أيضاً: أنَّه لا يلزمه الاستعارة، أما الهِبَة فلا يلزمه قَبولها، لأن في ذلك مِنَّة عظيمة، فقد يساوي الثوب قيمةً كبيرة، فيكون في ذلك مِنَّة لا يستطيع الإنسان أن يتحمَّلَها، فلا يلزمه قَبول الهبة، وأما الاستعارة فلا تلزمه؛ لأن في طلب العارية إذلالاً للشَّخص، وهذا عادم لما يكون به الواجب، وهو السَّتر، ولا واجب مع العجز، فلا يلزمه أن يستعير؛ مع أنهم ذكروا في باب التيمّم: أنه لو وُهِبَ لعادم الماء ماء لزمه قَبوله (١)، ولكنهم يفرِّقون: بأن الماء لا تكون به المِنَّة كالمِنَّة بالثياب (٢)، فالماء المِنَّة فيه قليلة، بخلاف الثِّياب، ولكن يقال: قد يكون الماء في موضع العدم أغلى من الثياب، فتكون المنَّة فيه كبيرة، فنقول: حتى لو كان في موضع العدم، فإن الإنسان الذي يعطي الماء في موضع العدم يشعر بأنه هو الرَّابح؛ لأنه أنقذ معصوماً بخلاف الثِّياب.

وعَلى كُلٍّ؛ فالقول الرَّاجح في هذه المسألة: أنه يلزمه تحصيل السُّترة بكل وسيلة ليس عليه فيها ضرر ولا مِنَّة، سواء ببيع أم باستعارة، أم بقَبول هِبَة، أم ما أشبه ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وهذا الإنسان مأمور بستر عورته، فيجب عليه بقَدْرِ الاستطاعة أن يأتي بهذا الواجب.


(١) انظر: «الإنصاف» (٢/ ١٨٦).
(٢) انظر: «كشاف القناع» (١/ ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>