للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستراحة، وقال: يجلس؛ ولا نقول: جِلْسَة الاستراحة؛ لأننا إذا سمَّيناها جِلْسَة الاستراحة رفعنا عنها حكم التعبُّد، وصارت لمجرد الاستراحة، ولكن في هذا شيء من النظر؛ لأن الاستراحةَ للتقوِّي على العبادة عبادةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ الآية [البقرة: ١٨٥] فتسمية العلماء لها قاطبة فيما نعلم بجِلْسَة الاستراحة لا يُنكر؛ لأننا نقول: حتى وإن سمَّيناها جِلْسَة الاستراحة؛ فإنَّ التعبُّدَ لله بها إذا كان الإنسان يستريح بها لينشطَ على العبادة يجعلها عبادة.

استدلّ من قال: يجلس مطلقاً: أنه ثبت في «صحيح البخاري» من حديث مالك بن الحُويرث أنَّ النبيَّ كان إذا كان في وِتْرٍ مِن صلاتِه لم ينهض حتى يستوي قاعداً» (١)، وكذلك في الحديث نفسِه أنَّه كان يعتمدُ على الأرض ثم يقوم (٢).

قالوا: وهذا دليل على أنها جِلْسَةٌ يستقرُّ فيها؛ لأن الاستواء بمعنى الاستقرار، ومنه قوله تعالى: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ *وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ *﴾ [الزخرف] فإذا كان مالك بن الحويرث يروي هذا عن رسول الله وهو الذي روى قوله : «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» (٣) وقد جاء في وَفْدِ قومِه


(١) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب من استوى قاعداً في وتر من صلاته، ثم نهض (٨٢٣).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة (٨٢٤).
(٣) تقدم تخريجه ص (٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>