للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلقة- نجد للدين فيها تأثيرًا أشد من تأثيره في سائر الممالك الأخرى، وهو فيها خوف على خوف؛ ففي المالك الإسلامية تجد أن التوقير العجيب للملك من الرعية أساس الدين.

ثم يأتي بمثال على ذلك لما حدث في تركيا، ويقول: بأن الناس إنما كانوا يعظمون الملك كثيرًا، وذلك سببه الدين؛ إذن معنى ذلك أنه يبين أن الدولة الإسلامية كانت دولة لا تعرف الشورى، ومبنية على الخوف من الدين، وأن الدين كان يخوف الناس، ويمنعهم من التعرض للحاكم؛ حتى ولو كان ظالمًا، وهذا وهم -كبير نرد على مونتسكيو ونقول له: ما قلته هذ وهم كبير- ذلك أن وصف الدولة الإسلامية بأنها مطلقة هو أبعد ما يكون عن طبيعة هذه الدولة؛ فهي دولة المنهج الإلهي الذي ارتضاه الله -عز وجل- لتحقيق خلافة الإنسان على الأرض؛ ومن ثم فإن عليها أن تتقيد بحدود هذا المنهج، ذلك المنهج الذي يعتمد على العدل، وأداء الحقوق إلى أصحابها وحرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان؛ امتثالًا لعبودية الجميع لله -سبحانه وتعالى.

وليس صحيحًا نعت مونتسكيو أو وصفه للدين الإسلامي بأنه يزيد الأمة الإسلامية خوفًا على خوف؛ فإن الإسلام دين العقل والإقناع، وليس دين الجبر والقهر، والمسلمون يعبدون الله، ويلتزمون بشريعته طبقًا لهذه الحقيقة، وبمعنى أدق فإن هذا يكون رغبًا، ورهبًا؛ فليس الترغيب وحده أو الترهيب وحده كافٍ في ذلك، وإن كانت الرغبة تسبق الرهبة، وتتقدمها، وهذا يبطل زعمه عن فكرة الخوف الناشئة عن الدين، والتي اعتبرها السبب في كون الدولة الإسلامية من الممالك المطلقة.

وأخيرًا فإنه لا محل لذلك التوقير العجيب الذي ادعاه للإمام، والذي سنده الدين، أين هذا من حق النقد الذي أرساه أبو بكر في قوله: إن أحسنت

<<  <   >  >>