للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عصرنا بالانقلابات العسكرية والثورات المسلحة، فهل يمكن الرئاسة معقودة لهؤلاء الذين واتتهم الفرصة فتسلموا الحكم بهذا الطريق، أم لا يُعدُّ ذلك طريقًا من الطرق التي تنعقد بها الرئاسة؟

العلماء في ذلك على مذهبين:

المذهب الأول: يرى الخوارج والمعتزلة أن الإمامة لا تنعقد إلا لمن جاء عن طريق البيعة الخالية عن أي جبرٍ أو قهرٍ.

المذهب الثاني وهو مذهب عامة أهل السُّنة والجماعة: أن الإمام يصح أن تنعقد لمن غلب الناس وقعد بالقوة في موضع الحكم، وروي عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: "من غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إمامًا بارًا كان أو فاجرًا.

وجمهور العلماء على انعقادها بهذا الطريق سواء أكانت شروط الإمامة متوافرة في هذا المتغلب أو لم تتوافر فيه حتى ولو كان المتغلب فاسقًا أو جاهلًا انعقدت إمامته، بل لو تغلبت امرأة على الإمامة انعقدت لها، وكذا إذا تغلب عليه عبدٌ، وذلك لأن العلماء ينظرون إلى أنه لو قيل بعدم انعقاد إمامة المتغلب لأدى ذلك إلى وقوع الفتن بالتصادم بين المتغلب ومعاونيه، وبين الإمام الموجود ومن يقف بجانبه، ولانتشر الفساد بين الناس بعدم انعقاد الأحكام التي صدرت عن هذا المتغلب، إذ يلزم عليه عدم صحة زواج من زوجها؛ لأنه لا ولي لها، وأن من يتولى إمامة المسلمين بعده عليه أن يقيم الحدود أولا ويأخذ الجزية ثانيًا، بل إن العلماء نصوا على أنه لو تغلب آخر على هذا المتغلب فقعد مكانه انعزل الأول وصار الثاني إمامًا، فالعلماء إذن يقارنون بين نوعين من الشر فيختارون أهونهما بالنسبة إلى الأمة، ولا يُفتون بتعريضها لأعظم الشرين،

<<  <   >  >>