للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالمسلمون إذا نزلت بهم مخمصة وشدة فإن من أسباب جلاء الغمة عنهم المزيدَ من التمسك بالسنن والبراءة من البدع، وليس مهادنة أهل البدع، وتثبيط الدعاة إلى السنن.

[قياس فاسد]

ومن أقيستهم العقلية الفاسدة التي يلبسون بها على العوام قولهم: إنما مثل من يتكلم في هذه القشور والفرعيات والأعداء محدقون بنا، كمثل رجل قائم على الشاطىء، وشخص يعالج الأمواج يوشك أن يغرق وقد لبس خاتمًا من ذهب، فيهتف الأول بالثاني منكرًا عليه لُبْسَ خاتَمِ الذهب غيرَ مبالٍ بالخطر المُحْدِقِ به، والذي يكاد أن يُودِىَ بحياته (١).

وجواب هذا أن يقال:

أنتم تقيسون فرعًا على أصل ليس بينهما أي تماثل، والأصل المقيس عليه حالة ضرورة فلا شك يقدم دفع الضرر الأكبر الذي هو تلف النفس على المنكر الأصغر الذي هو لبس الرجل خاتمًا من ذهب، فكذا إذا دهمنا الأعداء ننفر جميعًا لمواجهتهم دون التفات إلى خلافات فرعية انشغالًا بالمنكر الأكبر.

أما الفرع المقيس وهو وضع مجتمعاتنا في هذا الزمان فلا شك أنه في بلادنا -على الأقل- دون حالة الضرورة التي فيها تتلف الأنفس والأديان ويهلك الحرث والنسل، وينفر المسلمون نفيرًا عامًّا بما فيهم الشيوخ والنساء ... وقد يُسْتَنْكَرُ هذا الكلام لأول وهلة، أو يساءُ الظنُّ بقائله، ولكني آتي بالدليل عليه من واقع حياة المعترضين أنفسهم، فأقول: هل واقع حياتكم مثل واقع رجل قد ألقى بنفسه في المخاضة، لا يلوى على شيء


(١) ومن أقيستهم نظير هذا قولهم: إن مثله مثل شخص قد جُرح جرحًا بليغًا فجعل الدم ينزف منه بغزارة، فأتاه من يُطَبِّبُه بإعطائه دواءً مُسَكِّنًا للصُّداع غير ملتفت إلى النزيف الذي يهدد حياته.

<<  <   >  >>