للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مكي: ثم كانوا يحتاجون إلى صفر لقتال فيؤخرون تحريمه إلى ربيع، ثم يتمادون على تحريمه، ثم كذلك يؤخرون من شهر إلى شهر حتى استدار المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله به بعد دهر طويل.

لأنهم كانوا ينتقلون إلى تحريم شهر ويقيمون عليه مدة ثم يحتاجون إلى القتال فيه فأتى الإسلام، وقد رجع الشيء إلى حقه، فذلك قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض» (١).

فقوله: {يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً} [التوبة: ٣٧] هو أنهم يحلون صفر ثم يحتاجون إلى تحريمه فيحرمونه ويحللون ما قبله، ثم يحتاجون إلى تحليل صفر فيحلونه ويحرمون ما بعده، هكذا كانوا يصنعون.

قال: وقال مجاهد: كانت العرب تحج عامين في ذي القعدة، وعامين في ذي الحجة، فلما حج النبي - عليه السلام - كان الحج تلك السنة في ذي الحجة، فهو معنى قوله تعالى: {وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧].

أي: قد استقر في ذي الحجة فلا جدال فيه، انتهى ما ذكره مكي.

وقد ظهر بما تقدم أن الذين ينسؤون الشهور كانوا في الجاهلية، وأن النسي كان من أفعالهم فيها.

فقول الله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧] من أدل دليل على أن الذين كانوا يفعلونه كفار.

وهذا الفعل منهم زيادة في كفرهم، وذلك ينسحب على أهل الجاهلية من الفاعلين وغيرهم حسبما يأتي ذكره.


(١) رواه البخاري (٣٠٢٥ - ٤١٤٤ - ٤٣٨٥ - ٥٢٣٠ - ٧٠٠٩) ومسلم (١٦٧٩) عن أبي بكرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>