للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الموارنة بين المذهبين]

إن المذهبين متفقان في حال العلم بتقدم القول، أو الجهل بالمتقدم، إن القول هو المقدم في الحالين.

وإن ما اختلف فيه المذهبان حالة العلم بتقدم الفعل. فيرى أبو الحسين أنه لا يجوز إهماله، إذ هو نوع من أنواع البيان، وقد جاء في وقت الحاجة إليه، فوجب أن يكون بياناً.

وأصحاب المذهب الأول نظروا إلى أرجحية القول من حيث البيان، ووضوح ارتباطه بالمبيّن. فقدموه.

ونحن نرى أن مآل القولين واحد، فعندما ورد الفعل وهو صالح للبيان، فلا بد من اعتباره بياناً. ثم إذا جاء القول بعد ذلك، فلا بد من الأخذ به، لأنّ "القول بإهمال دلالة القول ممتنع" كما قال الآمدي. فهو يَرِد حينئذ على الفعل فيدل على أن ما زاد منه على القول ندب، أو يلغي دلالته على الحكم في حق الأمة دون نبيها فيكون مخصصاً، أو في حق الجميع فيكون ناسخاً.

فالخلاف بينهم في المسألة إنما هو في مما قبل ورود القول المتأخر، فأمّا بعد وروده فالعمل يكون بالقول على كل حال بالنسبة للأمة، لأنه إما أن يكون هو البيان على القول الأول. أو يكون ناسخاً لحكم الفعل، على القول الثاني. والله أعلم.

الثالث: وفي المسألة قول ثالث، وهو الوقف عند الجهل بالمتقدم، فلا يحكم بكون أحدهما هو البيان دون الآخر، بل البيان أحدهما لا بعينه. لأن كلاً منهما أقوى من الآخر من وجه، فلا يرجح عليه بلا مرجح. وقد رجح هذا القول ابن السمعاني (١).

وقال العلائي في إبطال هذا الدليل: "إن البيان بالقول أكثر، وغاية الأمر


(١) نقله عنه الزركشي: البحر المحيط ٢/ ٢٥٣ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>